كلوي كورنيش (فايننشال تايمز) –
تشهد سوريا ملحمة عائلية حقيقية سيطرت على اهتمام الناس في شهر رمضان. فقد انفجر الى العلن، نزاع غير مسبوق داخل الأسرة الحاكمة التي عادة ما تحيط نفسها بالسرية، حيث تمرد الملياردير رامي مخلوف ضد ابن عمته، رئيس البلاد بشار الأسد.
فبعد تسع سنوات ظل فيها تحت الرادار أثناء سيطرته على إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف، ظهر مخلوف، في شريط فيديو يهاجم فيه الأسد ويزعم ان السلطات السورية تنهب أعماله، واتهم الشرطة السرية بأنها تستهدف موظفيه.
وتساءل مخلوف في شريط ثان نشره مباشرة على موقع فيسبوك: «هل كان هناك من يتوقع أن تستهدف الأجهزة الأمنية شركات رامي مخلوف الذي كان الداعم الأكبر لهذه الأجهزة؟». وأضاف قائلاً: «لقد طُلب مني التنحي». وناشد الرئيس الأسد «الإنصاف».
وسلطت مناشدة مخلوف الذي كان يعتقد أنه لا أحد يستطيع المساس به، الضوء على التغييرات العميقة التي تجري داخل هيكل سلطة العائلة التي تهيمن على الحكم منذ عام 1970.
ويعجز المحللون عن تحديد سبب وقوف مخلوف على خط النار. لكن الدولة السورية تعاني من ضائقة مالية، ويشكو العديد من رجال الأعمال من الجمارك وغيرها من السلطات التي تلاحقهم بسبب الضرائب المتأخرة والرسوم الأخرى. لكن جذور نزاع العائلة قد تكون أعمق: مصدران لديهما نظرة ثاقبة على دائرة الأسد الداخلية أفادا بأن التوترات تعود الى سنوات عدة خلت بين مخلوف وبين سيدة سوريا الأولى أسماء الأسد.
فيما يلي التفاصيل الكاملة
خلال شهر رمضان، يستمتع السوريون عادة بالدراما التلفزيونية الجميلة، لكن ملحمة عائلية حقيقية متفردة سيطرت على اهتمامهم هذا العام. فقد انفجر إلى العلن، نزاع غير مسبوق داخل الأسرة السورية الحاكمة والتي عادة ما تحيط نفسها بالسرية، فقد تمرد الملياردير رامي مخلوف ضد ابن عمته، الذي هو رئيس البلاد.
فبعد تسع سنوات ظل فيها تحت الرادار أثناء سيطرته على إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف، ظهر مخلوف، الذي يعتبر أحد أبرز أقطاب الحكم في دولة مزقتها الحرب الأهلية، الأسبوع الماضي في شريط فيديو يهاجم فيه الأسد ويزعم أن السلطات السورية تنهب أعماله وإتهم الشرطة السرية بأنها تستهدف موظفيه.
وتساءل مخلوف في شريط ثان نشره مباشرة على موقع فيسبوك الأسبوع الماضي: «هل كان هناك من يتوقع أن تستهدف الأجهزة الأمنية شركات رامي مخلوف الذي كان الداعم الأكبر لهذه الأجهزة؟». وأضاف قائلاً: «لقد طُلب مني التنحي». وناشد الرئيس الأسد بـ «الإنصاف».
وسلطت مناشدة مخلوف يعتقد ذات يوم أن أحداً لا يستطيع المساس به بسبب صلاته العائلية، غير العادية للأسد، على التغييرات العميقة التي تجري داخل هيكل سلطة العائلة، التي تنتمي إلى الأقلية العلوية والتي تهيمن على الحكم في البلاد سوريا منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970.
نشر الغسيل
تقول لينا الخطيب، مديرة برنامج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة Chatham House، أنه على الرغم من محاولة الانقلاب التي قادها رفعت الأسد ضد شقيقه عام 1984، «لم يحدث أن نشرت الأسرة الحاكمة في سوريا، غسيلها القذر بهذه الطريقة من قبل. ولجوء مخلوف إلى فيسبوك لمناشدة الأسد يعني أن «خطوط الاتصال المباشر بين الرجليْن أصبحت مقطوعة تمامًا».
تأتي الغارات على امبراطورية مخلوف المالية، والتي تعتبر شبكة الهاتف المحمول في سوريا «سيريتل»، جوهرة التاج فيها، في الوقت الذي يقاتل فيه الأسد لبسط سلطته على كامل أراضي الدولة التي مزقتها الحرب وأصابت اقتصادها بالشلل. وعلى الرغم من أن التدخل العسكري الروسي والإيراني ساعد الأسد على استعادة 70 في المائة من البلاد، تسيطر المعارضة على جيب في شمال غرب البلاد، ويشهد الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة، حالة من من الفوضى. ويعيش أكثر من 80 في المائة من السوريين في فقر.
إميل حُكيم، محلل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يرى إنه على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يشكل مخلوف تحديا جديا للأسد، إلا أن الحادثة كشفت عن «توترات داخل الدائرة الأولى في وقت تتقلص الكعكة، وتشتد المنافسة وتبادل الاتهامات. ولكن مخلوف هو مجرد مقرب أو تابع للأسد».
الراعي الأكبر
وكانت واشنطن قد اتهمت مخلوف باستغلال الروابط العائلية لجمع الثروة بطرق تنطوي على فساد، وفرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات لاتهامه بالتورط في تمويل جهود الحربية للنظام خلال الحرب الأهلية. وقد وصف مخلوف نفسه بـ «الراعي الأكبر» لأجهزة الأمن السورية.
ولكن كانت هناك إشارات منذ العام الماضي بأن قطباً قد سقط من دائرة الأسد الداخلية. ففي شهر ديسمبر، جمدت وزارة المالية السورية أصوله وأصول شركة نفط بحرية مسجلة في لبنان ومقرها الولايات المتحدة بسبب التخلف عن دفع رسوم جمركية. ونفى مخلوف في وقت لاحق أية صلة له بالشركة.
وداهمت السلطات المصرية في شهر أبريل الماضي، سفينة شحن تحمل مخدرات من سوريا محشوة في صناديق شوكولاته من ماركة تجارية يملكها مخلوف. ونفى أيضاً، تورط شركته.
لكن الخطوة التي دفعت مخلوف للظهور على موقع فيسبوك جاءت من وزارة الاتصالات السورية التي طالبت سيريتل الشهر الماضي ومنافستها الأصغر MTN، بدفع ما مجموعه 180 مليون دولار بينهما كرسوم إعادة تقييم.
ضائقة مالية
وفي ظل غموض سياسات دمشق، يعجز المحللون عن تحديد سبب وقوف مخلوف على خط النار. لكن الدولة السورية تعاني من ضائقة مالية، وعملتها المحلية تفقد الكثير من قيمتها، ويشكو العديد من رجال الأعمال من الجمارك وغيرها من السلطات الأخرى التي تلاحقهم بسبب الضرائب المتأخرة والرسوم الأخرى.
لكن جذور نزاع العائلة قد تكون أعمق: مصدران مع نظرة ثاقبة على دائرة الأسد الداخلية أفادوا بأن التوترات تعود إلى عدة سنوات خلت بين مخلوف وبين سيدة سوريا الأولى، أسماء الأسد.
وعلى الرغم من شجب الكثيرين لفساد مخلوف ودعمه للنظام، فإنه يحظى بدعم أجزاء من مكونات الطائفة العلوية. وشدد مخلوف على أعماله الخيرية وتركيز مؤسسته على مناطق الساحل السوري الذي يعتبر معقل الطائفة. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عام 2017 عقوبات على مؤسسة البستان الخيرية التي يمتلكها مخلوف لصلتها بميليشيات تابعة للنظام.
وتجادل الخطيب أن مخلوف استخدم الفيديوهات لتقديم نفسه كحارس لمصالح العلويين، وحذر بعض المعلقين المتعاطفين معه بأن اتخاذ المزيد من الخطوات ضده قد يفجر نزاعا داخل الطائفة العلوية.
وكتب العضو السابق في البرلمان السوري الموالي للنظام، شريف شحادة يقول: «لا تعرضوا الساحل للنيران والحروب والدمار». وفي إشارة إلى مؤسسات مخلوف التي استهدفتها أجهزة الأمن، قال شحادة فيما يشبه المناشدة للأسد: «هذا شعبك، وهو موالٍ لك».
ولكن لم تلق كل هذه الدعوات أي استجابة من الأسد الذي طالب المسؤولين في خطابه الأخير، بمحاربة الفساد وارتفاع الأسعار، لكنه لم يأت على ذكر مخلوف.