مبادرة بري أعطت دفعاً لحوار الحزب مع التيار

.

لا تزال مبادرة الحوار التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في مهرجان الامام موسى الصدر، تستحوذ على الاهتمام والمتابعة من زاويتين:

الاولى، تتعلق بتوقيت هذه الدعوة التي تأتي قبل وصول الموفد الفرنسي جان ايف لودريان بايام قليلة، بما يدعو الى التساؤل اذا ما كان القصد من المبادرة قطع الطريق على مبادرة لودريان الذي ينوي بدوره اقامة حوار حول الاستحقاق الرئاسي. وما طرحه بري في مبادرته المُحدّثة يشبه الاطار الذي وضعه الموفد الفرنسي للحوار الذي يسعى اليه. وكما ان مبادرة لودريان تنصّ على الذهاب الى المجلس النيابي بعد انتهاء الحوار، وعقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس، كذلك فان بري اقترح حوارا محدوداً في الزمان (7 ايام)، على ان يتم بعده الذهاب الى المجلس النيابي في جلسات متتالية وصولاً الى انتخاب رئيس للجمهورية. وبالتالي، فان السؤال المطروح، واذا افترضنا ان القوى لبت دعوة بري، فهل يبقى من حاجة لمجيء لودريان واشرافه على طاولة حوار؟

الثانية تتعلق بموقف القوى السياسية، والتي ساهمت مبادرة بري المُحدّثة في توسيع الشرخ فيما بينها. اذ بات واضحاً ان موقف حزب القوات اللبنانية والكتائب وبعض نواب المعارضة اصبح مغايرا لمواقف قوى اخرى كانت تتقاطع مع هؤلاء في شأن الاستحقاق الرئاسي، وفي طليعة هؤلاء التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي. وفي الاساس، كان هناك تقارب جمع كل هذه القوى تحت عباءة خوض الانتخابات بمرشح واحد، وتجلى هذا التعاون في الجلسة الاخيرة التي عقدت في ساحة النجمة لانتخاب رئيس، وانتهت الى لا شيء، بعد المواجهة التي حصلت بين مرشح المعارضة والحلفاء الجدد، جهاد أزعور، ومرشح الممانعة سليمان فرنجية.

ومن خلال المواقف التي صدرت في شأن مبادرة بري للحوار، تظهّر اتساع الشرخ بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر من جهة، وبين القوات والكتائب وبعض المعارضين الآخرين من جهة اخرى. وقد بادر الحزب الاشتراكي الى اعلان موقف مؤيد للحوار، في حين ان التيار الوطني الحر لم يعلن رفضه، بل اعلن عن مجموعة شروط…
وما زاد الضغط على المعارضين للحوار، موقف البطريرك الماروني بشاره الراعي غير الرافض لمبادرة بري، ولو انه حدّد شروط واطارا لهذا الحوار المقترح. وكان من البديهي ان ينشأ توتر بين الراعي ونواب الاحزاب المعارضة، سيما نواب حزب القوات، على اعتبار ان رئيس الحزب سمير جعجع ألقى كلمة تصعيدية، واتخذ مواقف متشددة حيال رفض الحوار الذي تدعو اليه احزاب الممانعة.
في هذا الجو، كان من البديهي ان يشعر حزب القوات بالضغط، خصوصا ان المحسوبين على بري، استفادوا من المواقف المؤيدة لمبادرته، وراحوا يوزعون المعلومات التي تتحدث عن بوانتاج اولي يفيد بأن عدد النواب الموافقين على المشاركة في الحوار في المجلس وصل الى 91 نائبا، مقابل 27 نائبا رفضوا المبادرة، و10 نواب لم يحسموا موقفهم بعد.

طبعا، هذا الترويج يهدف الى الايحاء بأن الاكثرية الساحقة توافق على مبادرة الحوار، وان من يرفضها اقلية ليس إلا. وما زاد في منسوب الضغط على المعارضين هو موقف البطريرك الماروني الذي اعلن تاييد الحوار، وإن ضمن شروط.

هذه الوقائع ستجعل من عملية رفض الحوار من قبل المعارضين اكثر صعوبة. لكن هذا المشهد قد يتبدّل في حال قرر التيار الوطني الحر حسم موقفه، ورفض المشاركة في حوار بري، وهذا الامر بات واردا بعد الهجوم الذي شنه الوزير السابق علي حسن خليل على جبران باسيل. في هذه الحالة، ستسقط المبادرة، على اعتبار انها ستفقد التغطية المسيحية المقبولة لكي يتم استكمالها. وسيجد بري نفسه مرغماً على سحبها، كما حصل معه في المرات السابقة التي طرح فيها مسألة الحوار.

هذه المعادلة القائمة تعني ان مصير مبادرة بري بات عملياً متوقفاً على موقف التيار الوطني الحر. وهذا ما يدفع البعض الى التخوّف من ان يستغل التيار هذا الامر لتحسين شروطه التفاوضية مع حزب الله. من الملفت ان هذه المفاوضات دخلت مرحلة عملية من خلال تشكيل لجان لمناقشة التفاصيل المتعلقة بمطالب التيار، لجهة الصندوق الائتماني او ملف اللامركزية الادارية والمالية. فهل ستساهم مبادرة بري في جعل حزب الله اكثر ليونة في المفاوضات مع التيار الوطني الحر، ام ان الامور لم تنضج بعد، رغم كل ما قيل عن ان الاتفاق محسوم بين حليفي مارمخايل، وبالتالي، سيعود كل فريق الى موقعه السابق، وسيبقى الملف الرئاسي معلّقاً، بانتظار اتفاق دولي-اقليمي يسمح بالافراج عنه؟