لم يكن التقرير الذي اصدرته وكالة التصنيف العالمية ستاندرز اند بورز (S&P Global Ratings) في شأن الوضع اللبناني مفاجئاً، على اعتبار أن مضمونه يتماهى مع الحقائق التي بات يعرفها اللبنانيون، بعد مرور أربع سنوات على الانهيار، من دون أن يتم انجاز ولو خطوة واحدة نحو بدء اجراءات التعافي، وما ينبغي ان يواكبها من خطوات اصلاحية، هي بمثابة ممرات الزامية للوصول الى مرحلة النهوض.
ولكن اللافت في تقرير وكالة التصنيف بضعة نقاط لا بدّ من التوقّف عندها، ومنها:
اولا- التوقيت. اذ جاء صدور التقرير قبل ايام من وصول بعثة صندوق النقد الدولي الى بيروت، لاستطلاع الاجواء، والسؤال عن الاصلاحات الموعودة التي التزم بها لبنان لدى توقيع الاتفاق الاولي على مستوى الموظفين مع الصندوق في نيسان 2022.
ثانيا- التركيز على مسألة الديون الداخلية (بالليرة) التي تحاشت الدولة حتى الآن، اعلان التوقف عن دفعها. ولا تزال تسدّد الفوائد على هذه الديون بالعملة الوطنية. وقد جاء التقرير ليحذّر من التعاطي مع هذه الديون كما حصل مع الديون الدولارية (يوروبوندز). وفي الواقع، كانت مسألة التوقف عن دفع الفوائد على الديون بالليرة تُبحث في الآونة الأخيرة، خصوصا بعدما اثار بعض النواب اعتراضات على ما ورد في موازنة 2023، لجهة تسديد فوائد على الديون. وقد جاء تقرير ستاندرز اند بورز ليؤكد ان وقف الدفع سيؤدي الى اضرار اضافية في تصنيف لبنان الائتماني.
ثالثا- أعطى التقرير مساحة واسعة للوضع السياسي الذي ينعكس على الوضعين المالي والاقتصادي في البلد. وكان لافتا، ان الوكالة تحدثت بتشاؤم عن امكانية الوصول إلى انتظام سياسي على المدى القصير، بما يعني أن كل الاصلاحات الموعودة، والتي تحتاج الى اقرار قوانين في مجلس النواب، قد تكون مجمّدة بانتظار معالجة معضلة الاستحقاق الرئاسي. هذا المناخ التشاؤمي الذي عكسته الوكالة في تقريرها، هو الذي برّر ما ورد في تقريرها لجهة أن النظرة المستقبلية للوضع في لبنان سلبية.
رابعا- قدّرت الوكالة ان يكون حجم الاقتصاد (GDP) انخفض إلى 16 مليار دولار، من مستواه الأعلى المحقّق قبل الانهيار، والبالغ نحو 53 مليار دولار. وبذلك، قدّرت ستاندرز اند بورز أنّ الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد انخفض من نحو 7.8 آلاف دولار في عام 2017 إلى نحو 2000 دولار حالياً. وهذا الأمر أثار استغراب البعض، على اعتبار أن حجم الاستيراد لوحده يتجاوز الـ16 مليار دولار، فكيف يكون حجم الاقتصاد اقل من حجم الاستيراد.
ولكن الامور تصبح اوضح، عندما يدرك المعترضون، ان هناك طرقا عدة معتمدة في العالم لاحتساب الدخل الوطني. وبالتالي، فان وكالة التصنيف اعتمدت الطريقة التي تحسم فيها حجم الاستيراد من مجموع الاستهلاك، بحيث يصبح منطقيا ان يكون حجم الاقتصاد اقل من مجموع ما تستورده الدولة.
في كل الاحوال، لم تعد سمعة لبنان كما كانت في السابق، قابلة للتهشيم بمجرد ورود تقرير سلبي حول الوضع، ذلك ان تصنيف الدولة الائتماني وصل الى أدنى المستويات الصالحة للتصنيف، تقريبا. والتصنيفات المعطاة للبنان، لا تسمح بأن يتوقّع جذب اي نوع من الاستثمارات الخارجية في هذه المرحلة. وبالتالي، لم تعد المخاطر محصورة بالتصنيفات، بل الأهم كيفية التعاطي مع المجتمع الدولي، لتقديم صورة ايجابية عن نية المسؤولين اجتياز المرحلة، وصولاً الى الاصلاحات والنهوض.
حتى الان، فشلت الحكومة في تقديم صورة بهيّة عن احتمالات المضي في مسيرة الاصلاح. ورغم ان صندوق النقد الدولي يؤكد في كل مناسبة، انه لا توجد فترة محددة، يصار بعدها الى صرف النظر عن الاتفاق مع لبنان، الا ان المسؤولين في الصندوق يلفتون في المقابل، الى ان مسألة التوقيت يتحمّل وزرها اللبنانيون. ذلك ان كل تأخير في البدء في خطة التعافي، يؤدي عمليا الى تعميق الأزمة، ويجعل المعالجة تحتاج الى وقت اطول. وبالتالي، ليس الصندوق من يتضرّر من التأخير والمماطلة، بل لبنان.
وعليه، فان الصندوق سيواصل مساعيه لحثّ المسؤولين اللبنانيين على سلوك طريق الاصلاحات وصولا الى بدء تنفيذ خطة التعافي، وبالتالي، فان زيارة وفد الصندوق في الايام القليلة المقبلة تندرج في هذا الاطار، ولو ان لسان حال المواطن الذي يراقب ما يجري، هو «على من تقرأ مزاميرك يا داوود»؟