«الأخضر» بعد «الحرير» …ضيف جديد في المنطقة

.

لم يكن إطلاق مشروع الممر الاخضر الذي يُفترض ان يربط الهند بالشرق الاوسط واوروبا هو الحدث في حدّ ذاته، بل ايضا، شكّل انضمام السعودية بقوة الى هذا المشروع الجانب الآخر من الحدث. ليس لأن السعودية اهم من الدول الأخرى التي وقّعت على هذا الاتفاق خلال قمة العشرين في نيودلهي، بل لأن الرياض تثبت انها قادرة، حتى الآن على الأقل، على ارساء نوع من التوازن الايجابي بين علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة الاميركية، وبين مصالحها الحيوية مع الصين وروسيا، وكل دول المجموعة المنافسة للمجموعة الاوروبية والغربية.

وبينما كانت السعودية توقّع على انضمامها الى مجموعة الـ«بريكس»، وتنسّق الخطى مع بكين لتمتين طريق الحرير، نجحت في الوقت نفسه في فرض نفسها مدماكاً اساسياً في مشروع الممر الاخضر الجديد. وليس خافياً على احد، ان هذا المشروع مدعوم بقوة من الولايات المتحدة الاميركية، ليكون بديلا او منافسا قويا لطريق الحرير الذي باشرته الصين منذ حوالي 10 سنوات. وكما هو معروف، تسعى الصين من خلال مشروعها الى تمتين علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول الشرق الاوسط، والى فرض نفسها كمورّد اساسي للمنطقة وللقارة الاوروبية. وقد نجحت جزئيا في هذا المشروع، لكنها ستواجه في السنوات المقبلة منافسة قوية من الممر الأخضر الذي ستكون الهند هي البديل فيه، كمورّد اساسي على هذا الخط.
ومن الواضح، ان واشنطن التي ترغب في إضعاف واقع الاعتماد على الصين في التجارة العالمية، كما انها تسعى الى تخفيف اندفاعة الصين الاقتصادية في اتجاه المنطقة العربية واوروبا، وجدت في استعداد الهند للقيام بدور المنافس ضالتها.

يبقى السؤال الأهم، كيف سينعكس الممر الاخضر بعد بدء العمل فيه على اقتصاديات دول المنطقة العربية؟ وهل ينبغي ان نتوقع منافسة سلبية بين «الاخضر» و«الحرير»، ام ان التسابق سيأخذ الامور في المنحى الايجابي، بحيث تستفيد دول المنطقة من هذه المنافسة لتحسين شروطها واوضاعها، وقطاعاتها الاقتصادية المختلفة؟

من الواضح ان الممر الاخضر، أو الـIMEC سوف يشكّل إضافة كبيرة لدول منطقة الشرق الأوسط. ويتكوّن المشروع من ممرين منفصلين هما «الممر الشرقي» الذي يربط الهند مع الخليج العربي و«الممر الشمالي» الذي يربط الخليج بأوروبا.
وتشمل الممرات سكك حديدية ستشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات. وسيعمل المشاركون على تقييم إمكانية تصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف لتعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية، كونه جزءاً من الجهود المشتركة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ودمج جوانب الحفاظ على البيئة في المبادرة.

من حيث المبدأ، يُفترض أن يساهم الممر الاخضر في تحسين الاوضاع الاقتصادية. وستواجه السعودية تحدي التوفيق بين علاقاتها الجيدة مع الصين، ودورها في مجموعة الـ«بريكس»، وبين دورها في المجموعة الجديدة التي وقّعت على اتفاقية نيودلهي، وهي: الولايات المتحدة، السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

في موازاة التفاؤل في شأن دعم اقتصاديات الدول المشاركة في الممر الاخضر، تبرز تحديات من نوع آخر، ترتبط بدور قناة السويس، واذا ما كان المشروع الجديد يمكن ان يؤثر سلبا على حركة مرور السفن التجارية في القناة. ومن المعروف ان الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على ايرادات القناة. وفي الاحصاءات القائمة، ان القناة وفرت خلال آخر 10 سنوات نحو 60 مليار دولار للخزانة المصرية، ومع التوسّعات التي تجريها الحكومة ارتفعت العائدات السنوية للقناة من 5.3 مليار دولار خلال عام 2013 إلى نحو 9.4 مليار دولار خلال العام 2022. هذه الارقام تعطي فكرة عن مدى اعتماد مصر على القناة في تأمين العملات الصعبة.

حتى الان، ليس واضحا اذا ما كان مشروع الممر الاخضر سيؤثر على ايرادات القناة ويضعفها. ولكن الدراسات الاولية التي يقوم بها خبراء مصريون تشير ان هذا الامر مستبعد، بحيث لا غنى عن القناة في التجارة العالمية، مهما تنوعت مشاريع الممرات التي تعتمد على البحر والبر. وهي تعتبر أهم ممر ملاحي عالمي، لأن حجم التجارة عبرها يمثل نسبة 13 في المئة من التجارة العالمية وأكثر من 22 في المئة من حركة تجارة الحاويات على مستوى العالم.

لا شك في ان الممر الأخضر سيدخل كلاعب اساسي في اقتصاديات دول المنطقة في السنوات العشر المقبلة. ولا شك في ان السعودية سيكون لها دور حيوي في دعم والافادة من هذا المشروع الذي يتماهى مع طموحات المملكة، التي قال ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان أنه يطمح إلى تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، وقد يكون الـ IMEC احد المداميك التي سيعتمد عليها بن سلمان لتحقيق هذا الحلم.