محطتان توقف حزب الله عندهما في الايام القليلة الماضية. المحطة الاولى فرضها كلام زعيم المختارة وليد جنبلاط في خلال استقباله البطريرك الماروني بشارة الراعي. والمحطة الثانية، فرضتها القراءات في خلفيات اللقاء الذي جمع بين قائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (كتلة حزب الله) النائب محمد رعد.
في المحطة الاولى، كان واضحا ان الحزب انزعج من تلميحات جنبلاط التي أوحت بأن الاستحقاق الرئاسي عالق بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية. وبدا كلام جنبلاط وكأنه يقول ان لا رئيس للجمهورية من دون اتفاق اميركي-ايراني. وهذا الايحاء بالنسبة الى الحزب مزعج، على اعتبار ان قيادة الحزب تؤكد في كل مناسبة ان لا علاقة لطهران بالاستحقاق، وان هذا الموضوع محصور بين يدي الحزب والرئيس نبيه بري. وانهما يعبران عن موقفهما بحرية، ومن دون اي تدخّل ايراني او سواه.
وكان واضحا ايضا، من خلال التسريبات الاعلامية التي قام بها الحزب للرد على جنبلاط، انه حريص على عدم المواجهة مع زعيم المختارة، خصوصا ان مواقف الاخير حيال اقتراح الحوار الذي قدمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري كانت ايجابية. وبالتالي، ابتعد جنبلاط في هذا الموقف عن موقف المعارضة، ولا مصلحة لحزب الله بفتح مناكفة معه، قد تُعيده الى خندق المعارضين.
وفي هذا السياق، كان لافتاً أن الحزب اضطر إلى الرد، ولو بشكل غير مباشر على جنبلاط، ربما لأنه اعتبر ان موقفه يتمتّع بمصداقية اكبر لدى الرأي العام، لأنه يدلي به في الوقت الذي يؤيد مبادرة الحوار. في حين ان مواقف المعارضين التي تصب في الخانة نفسها لجهة اتهام ايران بعرقلة الاستحقاق الرئاسي، يمكن التشكيك فيها بسهولة اكبر، انطلاقا من الخصومة السياسية المزمنة مع حزب الله.
في كل الأحوال، استفاد الحزب من موقف جنبلاط، لكي يعيد تكرار موقفه حيال الاستحقاق الرئاسي، ولكي يؤكد ايضا ان الملف بين يدي أمينه العام السيد حسن نصر الله، ولا أحد يتدخل معه، وانه يمتلك «كارت بلانش» من طهران للتعاطي مع هذا الملف من الالف الى الياء…
المحطة الثانية التي اضطر الحزب الى الحديث فيها، ولو عبر مصادره الاعلامية، ترتبط بالتفسيرات التي أُعطيت للاجتماع بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، وقائد الجيش العماد جوزف عون، والتي ذهبت إلى حد القول إن الحزب تخلّى عن دعم سليمان فرنجية كمرشح وحيد، وأنه بات يبحث جدياً في تبنّي خيار آخر، قد يكون قائد الجيش على رأس قائمة الذين قد يحلّون مكان فرنجية.
وفي هذا السياق، حرص الحزب على نفي هذا الموضوع، وعلى اعادة التأكيد أن فرنجية هو مرشحه الوحيد، وأن أي كلام آخر هو في غير محله، ويستهدف مطلقوه التعمية على الحقائق. وفسّر الحزب الاجتماع بين عون ورعد أنه يأتي في إطار التنسيق المستمر بين الحزب والمؤسسة العسكرية، خصوصاً في ما يتعلق بالمسائل التي تتصل بالحدود والصراع مع العدو الاسرائيلي وملاحقة العملاء والتصدّي لخطر الإرهاب التكفيري وتحصين الاستقرار والتنسيق الميداني في اماكن التواجد المشترك.
هذا الرد لم يُقنع الكثيرين، انطلاقا من أن الاجتماعات التنسيقية التي لها علاقة بالملفات التي ذكرها الحزب عبر مصادره الاعلامية، ينبغي أن تعقد بعيداً من الاضواء، ولا حاجة لاعلانها للرأي العام عبر الاعلام.
والأهم من ذلك، أن اجتماعات تستهدف ملفات عسكرية وأمنية، لا يمكن أن يكون رئيس كتلة نواب الحزب هو المسؤول عنها. وعندما تكون هناك حاجة لبحث مثل هذه المسائل، من البديهي أن مسؤولين آخرين في الحزب هم من يتولون بحث هذه المسائل مع المراجع العسكرية والامنية.
وعليه، يعتبر المراقبون ان توضيحات الحزب في هذا المجال، لم تكن موفقة، وان الاجتماع مع قائد الجيش كان بمثابة رسالة مفادها ان الحزب بات منفتحاً على طروحات اخرى في الاستحقاق الرئاسي. لكن الامور ستبقى مبهمة في الايام القليلة المقبلة، بانتظار ما سيتسرب لاحقا عن نتائج زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، الذي اختتم زيارته الى بيروت، والتي استمرت حوالي خمسة ايام. وينبغي انتظار ما ستسفر عنه مبادرة رئيس المجلس نبيه بري الحوارية خصوصا بعدما تلقت جرعة دعم من لودريان، وبانتظار ان يتبلور المنحى الذي سيأخذه الحوار المستمر مع التيار الوطني الحر في شأن الملفات المطروحة، ومن ضمنها الاستحقاق الرئاسي، والسلة المتكاملة.