«نصف» الحوار= تشاور!

الاجتماع في دارة السفير البخاري وحّد السنّة وبلّغ الرسالة

.

بعكس التوقعات السابقة بأن تكون الزيارة الثالثة هي الأخيرة له، قرر الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان العودة مجدداً آخر الشهر الحالي إلى لبنان. العودة ستكون بعد اجتماع اللجنة الخماسية الثلاثاء في نيويورك. وفي خلفيات العودة بلا شك، إيجابيات بنى عليها الفرنسي المخضرم، وإن كان كرر أكثر من مرة هو والسفيرة السابقة آن غريو «عدم الرضى عن المسؤولين اللبنانيين الذين خيّبوا آمال شعبهم». رغم ذلك، لودريان سيعود ليلتقي المسؤولين في لبنان. مهمته فرنسية بغطاء عربي دولي. وفرنسا تبقى «الأم الحنون» لبلدنا وإن ضعف تأثيرها بفعل عوامل كثيرة سياسية واقتصادية وغيرها.

لودريان الذي يمثل أيضاً اللجنة الخماسية أمضى زيارته الثالثة في لقاءات مكثفة كان آخرها وأدسمها، اللقاء في دارة السفير السعودي لدى لبنان، الوزير المفوض وليد البخاري. في دارة اليرزة، حضر إلى السفير البخاري، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ولودريان والسفير الفرنسي الجديد إيرفيه غارو. بعد لقاء مغلق ضم الأربعة لوقت قصير، إنتقلوا لجلسة موسعة حضرها واحد وعشرون نائباً مسلماً سنياً.

في الشكل والمضمون، إستطاع السفير السعودي أن يقول إن المملكة تستطيع أن تجمع في دارها النواب السنّة بمختلف مشاربهم ومناطقهم وانتماءاتهم السياسية. المملكة هي «القِبْلة» مهما تنوعت أهواء الجميع. وتريد المملكة من فرنسا وغيرها أن تحترم رأي السنة في لبنان وتأخذ به. والضامن لذلك هي المملكة. صحيح أن هناك وجهات نظر متفاوتة عند النواب بشأن أهمية الحوار من عدمه لكن تبقى مصلحة لبنان هي ما تعمل عليه المملكة. السفير البخاري أكد أمام لودريان والمفتي والحضور النيابي الكثيف أن السعودية تدعم جهود اللجنة الخماسية وهي جزء أساسي منها وأن إنجاح مهمة المبعوث الدولي مسؤولية الجميع.

السعودية تريد المعافاة للبنان بمنطق إعادة إحياء المؤسسات واستدامة التنمية والتطور في الاقتصاد والمالية والحوكمة وكل ما يؤدي إلى رخاء لبنان. المملكة مع استقرار لبنان واستقلاله ودستور الطائف ومع انتخاب رئيس من قبل النواب اللبنانيين الذين هم وحدهم يختارون الرئيس بناء على مسؤوليتهم الوطنية التاريخية. وبما أن مهمة لودريان تعثرت سابقاً عندما اعتمدت المبادرة الفرنسية اسم شخص بعينه ليكون مرشحاً للرئاسة الأولى، فيجب الآن الانتقال إلى «الخطة باء» وهي عدم تبني أي اسم مقترح من الممانعة ولا من المعارضة. «هذا ما تم الاتفاق عليه في اللجنة الخماسية وينبغي تطبيقه». يجب الوصول الآن إلى رئيس بمواصفات لا تستفز أحداً ولا يكون منحازاً لطرف ضد طرف. الانحياز هو للبنان ولمنطق إنقاذ اللبنانيين من الواقع المؤلم الذي وصلوا إليه.

حضور مفتي الجمهورية أيضاً، يزيد من أهمية اللقاء. المرجعية الدينية العليا في الطائفة الإسلامية السنيّة يتواجد في دارة السفير مع ما يمثله من قيمة دينية إسلامية ووطنية جامعة. المفتي عبد اللطيف دريان الذي كان قد عمد أعضاء المجلس الشرعي الأعلى إلى تمديد السنّ القانونية لبقائه في دار الفتوى. من ٧٢ عاماً إلى ٧٦. في زمن «الفراغات» لا للفراغ في سدة إفتاء المسلمين السنة، ولا لفتح الباب للانقسامات في زمن صعب جداً على المسلمين والمسيحيين على السواء. كان لا بد للجميع أن يهنئ المفتي على نيله ثقة المجلس الشرعي. هذا ما فعله السفير السعودي والمبعوث الدولي والسفير الفرنسي والنواب.

في موضوع الحوار الذي يريده لودريان (والرئيس نبيه بري أيضاً) إختلفت وجهات النظر لكن ضمن الأطر الديموقراطية المهذّبة. المفتي دريان شدد على أنه من مؤيدي مبدأ الحوار لكن يجب في الوقت نفسه تطبيق الدستور. مؤكداً أن النواب السنة لم يقاطعوا يوماً – ولن يقاطعوا – أي جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية. معتبراً أن انتخاب رئيس للجمهورية ليس هو كل الحل، بل هو مدخل إلى حل المشاكل الأخرى. المفتي دريان يرى أن الرئيس العتيد يجب أن «يحترم قسَمَه الدستوري في المجلس النيابي، لأنه يُقسم على الدستور وعلى اتفاق الطائف، والتزامه الصلاحيات التي أعطاها له الدستور». يقول: «هناك عمل كبير وكبير جداً يؤدَّى، وجهد شاق جداً يُبذلُ من أجل إعادة الأمور في لبنان إلى الانتظام العامّ، وإلى الحياة الطبيعية». أمّا فيما يتعلق باللجنة الخماسية التي التأمت مراراً في فرنسا والدوحة والمملكة فيشكر «كلَّ المساعي التي تقوم بها هذه اللجنة، ونأمل أن يتجاوب الداخل اللبناني مع تمنياتها». ويقول للنواب: «نحن كلنا معكم، سيروا على بركة الله، واختاروا الأنسب والأحسن والأفضل والأصلح للبنان واللبنانيين».

بعدها أدلى النواب الجالسين يميناً ويساراً بدلوهم، بين مؤيد ومعارض لفكرة الحوار قبل عقد جلسات الانتخاب. لودريان يعلم أن مسألة الحوار وجمع النواب في البرلمان ليست سهلة على الإطلاق بعد تجارب «حوارية» سابقة لم تؤد إلى نتيجة. وها هو حبر «إعلان بعبدا» لم يجفّ بعد ولم يلتزم به حزب الله بعدما وقّع عليه. لكن فرنسا تريد أن ينتخب رئيس للجمهورية في لبنان.

كرر لودريان أمام النواب أن «أوضاع لبنان الاقتصادية والمعيشية سيئة جداً» وأن الفقر يدق أبواب اللبنانيين. كما حثّ اللبنانيين على الاتفاق في ما بينهم لأن استعار الاختلاف يؤدي إلى مزيد من الخسائر. في مسألة الحوار، فرنسا ملزمة أن تكون في منتصف الطريق. هناك خلاف حاد على هذا الأمر، لذلك فإن لدوريان لن يدعو إلى «حوار» وإنما «نصف حوار»: أي تشاور أو نقاش. سموه ما تشاؤون لكن يجب أن تلتقوا في المنتصف.

الوضع اللبناني صار على طاولة الإخوة والأصدقاء سواء في المملكة أو قطر أو فرنسا وغيرها. كان رئيس مجلس النواب قد طرح مبادرته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في ٣١ آب الماضي كي يكون الحل «لبنانياً صرفاً». حوار مدته القصوى ٧ أيام، يشهد المجلس يوماً انتخابياً طويلاً بجلسات مستمرة ومتتابعة إلى أن يخرج الدخان الأبيض. إزاء قرار لودريان بالعودة مجدداً، يتساءل الكثيرون عما إذا كان رئيس المجلس سيدعو إلى حواره «بمن حضر» أم سينتظر قليلاً. إذا نجح «التشاور» عند لودريان فقد يذهب الجميع إلى المجلس للانتخاب بدلاً من الحوار. أللهمّ إذا كانت الطبخة اللبنانية قد «نضجت» .. في مطابخ القرار العربي والدولي.