نجمة بوزرغمر (فايننشيل تايمز)
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان لا يزال بإمكان محمد شراء الفاكهة والدجاج لأطفاله الثلاثة. ولكن تأثير العقوبات الأميركية ووباء كورونا المدمر على الاقتصاد أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم، وزيادة أسعار الفواكه الى ثلاثة أضعاف، يعيش محمد العاطل والبالغ من العمر 47 عامًا وأسرته على الخبز والبطاطا والبيض، حتى انه اضطر لبيع بعض الأجهزة المنزلية وبدأ يُنفق من مدخراته.
يقول محمد، أحد الناجين من شلل الأطفال الذي توقف عن بيع السجائر قبل ثلاث سنوات بسبب عجزه: “أتلقى حوالي 9 ملايين ريال (38 دولارًا) كمساعدة مالية شهرية من الحكومة، وأقوم بإنفاق نفس المبلغ تقريبًا من أموالي الخاصة ونعيش أنا وعائلتي مثل لاجئي الحرب”.
لقد دفع تدهور الاقتصاد الإيراني، الملايين إلى براثن الفقر المدقع خلال العام الماضي، مما زاد الضغط على النظام في عام الانتخابات، للسعي لاستئناف المحادثات بشأن الاتفاق النووي مع الإدارة الأميركية الجديدة.
تفتخر الجمهورية الإسلامية بأن الاقتصاد قد نجا من آثار العقوبات الأميركية ووباء فيروس كورونا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الصادرات غير النفطية مثل البتروكيماويات والصلب والمقايضة وبيع كميات صغيرة من الخام إلى الصين. لكن الكثير من الإيرانيين أفقر بكثير مما كانوا عليه عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي وقعته الجمهورية الإسلامية مع القوى الكبرى عام 2015.
فقر مدقع
فارامارز توفيقي، رئيس لجنة الأجور في مجلس العمل الإسلامي، وهو مجموعة علاقات صناعية، يعتقد أن ” أكثر من 60 في المائة من المجتمع الإيراني يعيش في فقر نسبي لأن أجور العمال لا تغطي سوى نحو ثلث تكاليف معيشتهم. ونصفهم يعيش في فقر مدقع”.
وأكد سعيد ليلاز، الاقتصادي الإصلاحي، الأرقام التي استشهد بها توفقي، وقال إن عدد أولئك الذين يعانون من الفقر المدقع زاد خمسة أضعاف في السنوات الثلاث منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات. لا توجد أرقام حكومية رسمية متاحة حول الفقر ويعتمد الخبراء على بيانات القوة الشرائية لتقدير حجم الحرمان.
وأضاف ليلاز إن ارتفاع معدلات الفقر زاد من الضغط على النظام لإعادة فتح المحادثات مع الولايات المتحدة. وإذا لم تستطع إيران كبح جماح الفقر بعد انتهاء الجائحة، فقد تواجه الحكومة عدم استقرار سياسي واجتماعي. على الحكومة أن تعوض الضغوط الهائلة التي تعرض لها الناس خلال السنوات الثلاث الماضية “.
يبلغ معدل التضخم السنوي الرسمي الآن 46.2 في المائة مقارنة بأقل من 10 في المائة في مايو 2018 عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وارتفعت أسعار الطعام والشراب مرة أخرى، حيث اشتكى الإيرانيون من أن تكلفة الدجاج والأرز والبيض تضاعفت تقريبًا خلال العام الماضي بينما ارتفعت أسعار الفول والزيوت النباتية بنحو ثلاثة أضعاف. وفي بلد تبلغ نسبة بطالة في أوساط الشباب 16.5 في المائة، فقد العديد من العمال وظائفهم خلال العام الماضي بسبب الوباء.
ويقول محللون إن الكثيرين كانوا سيتضورون جوعا لولا المدفوعات الحكومية الشهرية للتعويض عن خفض دعم الطاقة وكذلك المدفوعات للمساعدة في تخفيف تأثير الوباء.
يغطي نظام الدفع النقدي الذكي في إيران حوالي نصف السكان البالغ عددهم 83 مليون نسمة ويستهدف أولئك الذين ليس لديهم مصدر دخل. يحق للأسر الأشد فقرا -بمتوسط أربعة أفراد -الحصول على 5.7 مليون ريال كحد أدنى كل شهر، وهو ما يكفي لشراء الخبز والبطاطا. وأشار ليلاز إن هذا ساعد في جعل الخبز “ميسور التكلفة للعديد من العائلات ويساعدهم على عدم الموت جوعا”.
ضغط هائل
يقول غودرات، بواب مبنى سكني في شمال طهران، إن أجره الشهري البالغ 18.5 مليون ريال ارتفع إلى 24 مليون ريال منذ شهر مارس، لكنه لا يزال يكافح من أجل تدبير أموره. يرسل كل راتبه تقريبًا إلى زوجته وطفليه في مدينة أخرى. وأوضح “أنني لم أشعر قط بمثل هذا الضغط المالي الهائل في حياتي. أنا آكل أقل بكثير هذه الأيام وأعتمد على الجيران الذين يقدمون لي الطعام أحيانًا. ويحدث أن أنام جائعًا أو أشرب الماء أو الشاي فقط على الإفطار.”
الوضع أسوأ في زاهدان التي تعتبر واحدة من أكثر المناطق حرمانًا في البلاد، كما يقول عمال الإغاثة. تدعم جمعية عابد فافامانيش الخيرية 370 أسرة، أي أربعة أضعاف العدد الذي كانت تدعمه في العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى هجرة الفقراء من مدن الكبرى والأكثر تكلفة. وتعيش العائلات التي لديها طفلين في ملاجئ تبلغ مساحتها 12 مترًا مربعًا. ولا يعرفون معنى الفطور.
الخطر الذي يتهدد النظام هو أن هذا الفقر قد يكون له عواقب سياسية أيضًا. ففي نوفمبر 2019، قمعت الحكومة احتجاجات الفقراء بوحشية. وقتل مئات الاشخاص. يقول توفيقي: “إذا لم نتمكن من تضييق الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء، فسوف نشهد انفجارًا في مشاعر الاستياء والاكتئاب في المجتمع”.
وبينما يعلق محمد الكثير من الأمل على المفاوضات الإيرانية الأميركية ورفع العقوبات، يقول إن الفساد وسوء الإدارة مشكلتان كبيرتان بالقدر نفسه. وأضاف إنه يتعين على القادة الإيرانيين إعطاء الأولوية “للاحتياجات الحقيقية” للناس مثل كرامتهم والقضايا الاقتصادية الأساسية، بدلا من الاحتياجات الزائفة كالقضايا الإقليمية واجبار المرأة على ارتداء زي معين.
وأوضح محمد “اليوم، إذا توفي أبي، لا أستطيع تأمين تكاليف السفر لحضور جنازته، ليست هذه طريقة لتعامل الدولة مع شعبها. هذا نهج لا يفيد الحكام. حيث يمكن قمع وقتل الناس اليوم، لكنهم سيحملون السلاح للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، غداً”.