انفجار الغضب الشعبي يُشعل الشارع من جديد. وعادت التحركات الاحتجاجية الى مناطق لبنانية مختلفة، وشهدت في طرابلس مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية. كل ذلك تحت شعار الجوع وعدم القدرة على تحمل الحجر وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
مما لا شك فيه أن طرابلس هي نموذج صريح عن الفقر والحرمان حتى تكاد تعتبر عاصمة الفقر في لبنان.
الاوضاع الاقتصادية الصعبة تتزايد وتصيب جميع اللبنانيين إلا أنّ أوضاع جزء كبير من الشرائح الاجتماعية في طرابلس هي الأكثر مأساويةً، ما يؤمن المبرر الكافي للتحركات الاحتجاجية.
يعتاش أبناء عاصمة الشمال على العمل اليومي، الذي إن لم يتوفر مردوده قد لا يستطيع المواطن العيش بسهولة. ومع اجراءات الحجر منذ 17 يوماً تقريباً يشعر كثيرون بضيق الحال خصوصاً مع اقفال المحلات وأبواب رزق كثيرة.
إذاً الفقر والبؤس حقيقة لا يمكن لأحد انكارها، لكن تفسير التحركات بهذه الحقيقة فقط أمر يشكك فيه كثيرون. وفي بلد يتم تسييس كل أمر فيه، ثمّة اعتقاد سائد أن هناك من يستغل الفقر والحرمان والبؤس وضيق الحال للاستثمار السياسي.
الحكومة لا تتشكّل بالدواليب المشتعلة
التصريح الرسمي الواضح في هذا المجال جاء على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي قال إن «الحكومة لا تتشكّل ولا تتعطّل بالدواليب المشتعلة وقطع الطرقات والاعتداء على مؤسسات الدولة، واستهداف قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني..».
وأضاف دياب «ما رأيناه هو محاولة خطف مطالب الناس واستخدامها في معارك سياسية»، مشدداً على أنه «لا يجوز تخريب مدينة طرابلس من أجل توجيه رسائل سياسية منها، وغير مقبول أن تبقى طرابلس، أو أي منطقة من لبنان، صندوق بريد بالنار، ولا يجوز قطع الطرق على الناس، في سياق منطق التحدي بالسياسة».
تصريح يشير صراحةً الى استغلال سياسي خلف التحركات التي شهدها لبنان في الساعات الأخيرة. هذا التصريح، جاء بموازاة إشارة مصادر متابعة في طرابلس الى أن «تيّار المستقبل» هو الذي يحرك بعض المجموعات التي كانت تنشط في زمن الثورة وذلك للضغط في مجال تشكيل الحكومة.
صحيفة «السّهم»، اتصلت بنائب رئيس «تيار المستقبل» مصطفى علوش، الذي قال إن عرقلة تأليف الحكومة قد تكون أحد الاسباب لأن الناس فقدوا الأمل بالتغيير. والسبب الثاني يتصل بتفاقم الوضعين الاقتصادي والاجتماعي والاقفال التام للبلاد.
لكن علوش يتوقف عند الاشارة الى التحريك السياسي. ويقول إن «أي طرف يستطيع اتهام الأطراف الأخرى، لكن لو كان هذا الأمر صحيحاً لظهر ببساطة لدى القوى الأمنية لأنها تستطيع معرفة المحرّكين من اعترافات المعتقلين لديها».
ويضيف علوش «لا معطيات أن هناك محرّك سياسي. لكن الأكيد أن تيارنا أي تيّار المستقبل ليس له مصلحة بتحريك الوضع، لأننا نعتقد أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غير مكترث لطرابلس وللضغوط عليه من طرابلس لتسريع الحكومة». وعون، بحسب تعبير علوش «مهتم بشيء وحيد هو جبران باسيل يا بيورتو يا ما بيورتو ومش سئلان عن كل البلد».
من يقف خلف هذه التحركات إذاً ؟
تشير مصادر أمنية لصحيفة «السّهم» الى أن هناك دفعاً سياسياً من قبل مجموعات، من دون أن تجزم هوية المحركين. وتلفت الى وجود بعض المجموعات القريبة من المنتديات التابعة لنبيل الحلبي والتي لم تعد على علاقة جيدة ببهاء الحريري، وأخرى تلقت أموالاً من حزب مسيحي وحزب «سبعة».
كما تلفت المصادر الى مشاركة مجموعات سورية وفلسطينية في هذه التحركات والى مشاركة بعض المؤيدين السابقين لتيار المستقبل في بعض التحركات. إشارةً الى أن الجيش اللبناني اعتقل خمسة متظاهرين وسقط في صفوفه 31 جريحاً نتيجة الاشتباكات والرشق بالحجارة التي تعرض لها يوم الثلثاء.
الرسائل السياسية في الشارع ليست أمراً مستجداً في لبنان، وهذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها تحركات واشتباكات على وقع الحديث عن توجيه رسائل لهذا أو ذاك. واللافت أيضاً، أن بعض المجموعات التي كانت تشتبك مع القوى الأمنية في وسط بيروت شاركت في التحركات الأخيرة.
لكن الفارق كما تقول مصادر أمنية متابعة، أن مثل هذه المجموعات قد يختلف محركها باختلاف الأجواء والظروف. لكن المصادر تجزم أنّ ثمّة قرار حاسم لوقف العنف ومنع الفوضى.
ولهذا استُقدمت التعزيزات الأمنية ليل الأربعاء وبخاصةً «القوة الضاربة» في فرع المعلومات، التي لا تتدخل عادةً إلا بعد انحراف المواجهات نحو العنف والتخريب فيكون دورها حاسماً في وقف العنف بشدّة وحزم.
لا شك أن الفقر يتمدّد بين الناس ويرخي بأثقاله على أحوال الناس والاوضاع من سيء الى أسوأ، لكن من المؤكد أن ثمة من يستغل هذا الفقر في محطات عدّة لتوجيه رسائله بالسياسة. وأوجاع الناس هي صندوق البريد.