جيمس ستافريديس – (بلومبيرغ)
كنت في المملكة العربية السعودية في سبتمبر 2019 عندما تم استهداف منشآتها النفطية بطائرات بدون طيار، بتحريض من إيران.
من شرفة فندقي، رأيت الدخان يتصاعد من بعيد، لقد تحدثت مع السفير الأميركي في ذلك الوقت، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، واتفقنا على أن السعوديين يواجهون تهديدًا وجوديًا من طهران.
لم يتغير شيء حتى الآن.. لقد تحدثت مؤخرًا مع الجنرال المتقاعد جون ألين – القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية ومبعوث الولايات المتحدة للتحالف ضد ما يسمى بالدولة الإسلامية – الذي أخبرني، «لا تزال إيران تشكل التهديد الأكبر في المنطقة».
لا مصلحة لإيران في الوصول إلى تسوية مع السعودية ودول الخليج العربية، حيث أكدت الهجمات الصاروخية التي شنها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن الشهر الماضي على العاصمة السعودية الرياض هذا الاستنتاج، ولكن لحسن الحظ، أحبطتها الدفاعات السعودية.
وجهة نظر إسرائيل
يتبنى الإسرائيليون وجهة نظر مماثلة تجاه إيران باعتبارها تهديدًا وجوديًا، ويخشون من قدرتها العسكرية المتزايدة تدريجياً «لا سيما في الحرب الإلكترونية والمركبات غير المأهولة والصواريخ الباليستية».
وخلال جميع زياراتي إلى إسرائيل، بما في ذلك المناقشات مع زعيم حزب أزرق أبيض بيني غانتس (الذي كان رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي خلال فترة وجودي كقائد أعلى لقوات التحالف في منظمة حلف شمال الأطلسي ولا يزال صديقًا جيدًا)، حلّق التهديد الإيراني فوق كل المخاوف الأخرى وله ما يبرره.
لقد أدى الاشمئزاز المتبادل وانعدام الثقة بإيران من جانب أكثر حلفاء أميركا إلى تعزيز القدرات العسكرية في المنطقة وزيادة التعاون الهادئ بينهما، وكان هذا التحول الجيوسياسي هو الذي سمح لإدارة الرئيس دونالد ترامب بالتوصل إلى اتفاقات إبراهام، واكتساب اعتراف العديد من الدول العربية بإسرائيل.
وعلى الرغم من أن السعوديين لم يتخذوا هذه الخطوة النهائية للاعتراف بإسرائيل، فمن المرجح أن يحدث ذلك قريبًا – وسيوفر ورقة مساومة قوية للمملكة مع إدارة الرئيس جو بايدن.
كلما تحدثت إلى كبار الإسرائيليين، فإنهم يكررون إيمانهم بأن إيران ستنجح في النهاية في بناء ترسانة نووية ما لم يتم إيقافها عن طريق التدخل العسكري المباشر، حيث يشيرون إلى الطريقة التي يتعامل بها العالم مع كوريا الشمالية، إذ فشل في القيام بأي عمل عسكري على الرغم من التفجيرات النووية لنظام كيم جونغ أون واختبارات الصواريخ الباليستية طويلة المدى.
وليس من المفاجئ أن تبدأ إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20٪ وهو أعلى بكثير من الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015، ولكن حتى الآن يبقى أقل من حاجتها لصنع أسلحة نووية.
يبدو أن الإيرانيين يلعبون دور «الشرطي الجيد والشرطي السيئ» مع إدارة بايدن، إنهم مستعدون لممارسة ضغوط إضافية على النظام الدولي، كما يتضح من مُصادرة ناقلة كورية جنوبية قبل عدة أسابيع في محاولة ابتزاز من أجل الحصول على 7 مليارات دولار من الأموال المجمدة من قبل سيول.
لقد كانت الخطوة بمثابة رسالة تحذيرية لإدارة بايدن من أن إيران يمكنها بسهولة إغلاق مضيق هرمز والاستيلاء على ناقلات إضافية وتعطيل تدفقات النفط على مستوى العالم.
من ناحية أخرى، يلعب الإيرانيون دور الشرطي الجيد من خلال الإشارة إلى استعدادهم للعودة إلى الاتفاق النووي ووقف تخصيب اليورانيوم إذا أسقطت الولايات المتحدة العقوبات التي دمرت اقتصاد البلاد، ومع ذلك، فهم يعارضون بشدة أي تغييرات أو إضافات على الصفقة الحالية، وفق ما أكده محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، الذي تفاوض مع فريق باراك أوباما الدبلوماسي.
العديد من الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة في تلك المفاوضات – جيك سوليفان، والسفير بيل بيرنز، والسفيرة ويندي شيرمان ووزير الخارجية السابق جون كيري – هم في مناصب عليا تحت قيادة بايدن، تم تعزيز هذه المجموعة من ذوي الخبرة من خلال اختيار الجنرال المتقاعد لويد أوستن وزيرا للدفاع، وهو رئيس سابق للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط.
عودة سريعة للاتفاق النووي
يبدو أنه من المرجح أن تتواصل إدارة بايدن ببطء مع إيران، متجنبة العودة السريعة إلى المعاهدة الحالية، حيث يعمل مسؤولو بايدن على حشد الدعم من الشركاء الأوروبيين للتوصل إلى اتفاقية أفضل بعيدة المدى.
لكن يبدو أيضا أنه من المستعبد أن يتم الانتهاء من أي شيء جوهري قبل الانتخابات الإيرانية في يونيو المقبل.
فيما يتعلق بإسرائيل، التي تستعد لانتخاباتها الشهر المقبل، لن يكون البيت الأبيض داعمًا تمامًا لنتانياهو مثل فريق ترامب، لكن الرئيس الجديد له تاريخ طويل وجيد مع إسرائيل، وسوف يدفع باتجاه العمل الجماعي ضد إيران بدلاً من الضربات العسكرية، وستكون الإدارة أيضًا أكثر استيعابًا – علنًا على الأقل – للسلطة الفلسطينية، وستعارض المزيد من إضفاء الشرعية على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
سيكون هناك المزيد من الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن العلاقة ستكون قوية في النهاية.
سيكون الاقتران الأكثر إشكالية هو واشنطن والرياض، ستكون هناك انتقادات من الكونغرس للحرب في اليمن فيما ستتعمق الخلافات حول أفضل نهج للتعامل مع الملف الإيراني فضلا عن المنافسة في إنتاج الطاقة.
لكن من المحتمل أن يسود التوافق على المدى الطويل، خاصة وأن الولايات المتحدة سترغب في إحباط النفوذ الروسي في المنطقة، والسعي إلى استمرار التعاون ضد فلول داعش، والبحث عن تعاون لمواصلة الضغط على طهران.
سيكون تحقيق التوازن في العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي تحديًا رئيسيًا لبايدن، إلى جانب الضغط الجماعي من شركاء الاتحاد الأوروبي لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات بطرق بناءة.. أما الآن فهناك سحابة دخان في الأفق وإيران وراءها.