بقلم: نعيم حلاوي
يدأب المواطن اللبناني زياد ك. (44 عاماً) في كل ليلة، على إتمام مهمة جلي الصحون المتأتية من يوم حافل بين أكل وشرب واختراعات وحلويات وفواحش، فيجليها بسرعة هستيرية.
المعروف أن تلك المهمة التنظيفية كانت أُوكِلت الى الزوج السعيد في إطار اتفاقية تعاون زوجي مبرمة مع حرمه زينة م. (33 عاماً) بهدف التخفيف من حدة الاحتقان النفسي المنزلي المستحدث في زمن الحجر والحصر الذي يمر به العباد والبلاد والبشرية جمعاء. وقد عُلم لاحقاً أن الاتفاقية تلك قد تكون نسخة معدلة ومنقحة عن اتفاقية مار مخايل السعيدة الذكر، لما فيها من بنود بحاجة للتوضيح والتنقيح والتَيويم والتعويم والتنويم.
تقول زينة لكل من يدَردشُ معها أو بالأحرى«تُدردشُ» معها على الهاتف والواتساب والـ زووم بأن زيزو -وهذا لقب زوجها منذ ربيع 2010، زمن الخطوبة والخصوبة والعسل الجميل- بأن زيزو لم يعد يصلح للجلي، وهي تفكر جدياً بإحالته على الكَوي أو الغسيل الملوّن أو التمسيح. «ماما، عم بيكسّر كتير صحون»، تشكي همها لأمها. وتضيف بصوت مخنوق على واي-فاي متقطع -لأن الأولاد عم يدرسوا- : «صار كاسر 3 صحون بجمعتين وكباية كريستال نشّف دمي عليها، ما بعرف كيف وصل عـ ڤيترين أوضة السفرة يللي بعمرنا ما استعملناها». وتضيف لإحدى صديقاتها: «صاير مرعوش ما كان هيك».. والكل ينصحها بإطالة بالها عليه وهي ترد: «خلص فالج ما تعالج زيزو ما بقى زيزو، من وقت ما بلّش يتابِع الكتّورة».
والكتّورة هنا أو ما يُعرف بالكابتن، هو فنان بث مباشر يطل بكاريزماه الجياشة على فايسبوك، بعدما كان خرَج من قمقمه على حين غفلة في زمن الحجر بانطلاقة صاروخية ولم يَعُد، يُرجى ممن يعرف عنه شيئاً أو عن موقعه الحالي في الفضاء الافتراضي، إبلاغ أقرب منصة هبوط اضطراري، أحلى ما يجي عالبلاط يكسّر حاله.
تتلمَذَ الكتورة في ريعان شبابه على يد السنباطي الحفيد الذي علمه كيف يكبس زراً على الكيبورد يعطيه إيقاعاً واحداً.. علّمه ذلك واعتزل.
وبقي الكتورة عالقاً على إيقاع واحد ونغمة واحدة ركّب عليهما أكثر من ألف أغنية، أخذ يتحف بها جمهوره السَيبيري في كل أنحاء العالم، المتعطش الى أي جديد وأي بدعة مُفَرفشة. وقرر الكابتن اعتماد إطلالة مبتكرة ذات موعد ثابت، إطلالة مقلية بالعفوية ومُطفّاة بالإرتجال والثوم.
في قاموس كتورة الموسيقي لا ضرورة للقوافي الشعرية في الأغنية، وهي غير إلزامية. في حال وُجدت القافية كانَ بِهِ، أما في حال تعذّر وجودها: هيدا الموجود ويللي مش عاجبه يزحّط.
في قاموسه أيضاً أن التنشيذ في الغناء هو أمر عادي طبيعي، وهو بحاجة الى أذُن موسيقية لدى السامع لِيَقفرَه، وبالتالي فإن السامع هو شعب مخبوط على رأسه هذه الأيام لن يدقق في هكذا تفاصيل ثانوية.
اللافت ان البعض يشبّه الكتورة الى ديناصور الطرب ملك الأغنية الهابطة فوزي بو لوزي ولكن مهلاً يا سادة، لا مجال للمقارنة، فالأخير ليس سوى شخصية كاريكاتورية خيالية انبثقت عن برنامج فكاهي ساخر وهي تالياً ليست حقيقية كما هي حال صاحبنا.
من جهة أخرى، لقد تبين للعلماء والباحثين أن العنصر الجوهري والعَمود الفقري في الفن الكَتّوري هو «موضوع» الأغنية بحد ذاته، فكلما كَثُرت المواضيع في السهرة الواحدة كلما تحولت إطلالته الى أن تكون أقوى وتحفّز على الإدمان عليها والى حفلة ولعانة ما بدّها الا «بيغ شامباين». ناهيك عن أن عنصراً أساسياً ايضاً له الدور الأساس في ذلك هو «ترقّب» كل ما يمكن أن يقوله الكابتن من تعليقات وتوجيهات ونهفات يرشرشها هنا وهناك على قفا مين يشيل، وذلك كفواصل بين أغانيه الخارقة في هذا الزمن الهزيل.
الزلمي حر شو إلكن معه؟ يقولها أكثر من نصف مليون متابع. وبالفعل شو إلكن معه؟ لا يجبر أحداً على اللحاق به ومشاهدته وسماعه. يكفي أن ما قد يجمعه الكابتن بسهرة واحدة من عيون جاحظة وآذان مصغية قد لا تقدر أن تجمعه إطلالة مباشرة لنانسي وإليسا ونجوى ووائل وعاصي وأولاده وزبيب وزيتون وزعتر وكشك، مجتمعين.
الزلمي حر شو إلكن معه إذا ما هزّ رقبته بشكل متواصل على إيقاع او دَربَكة او إذا ما نَطنط وبرعَط وزغلط او إذا ما هز خصره ورقص ورفس وفَونَس ولَعوَس؟ هل يأخذ شيئاً من دربكم؟ إفعلوا نصف ما يفعله واقعدوا في عين الشمس. شيييه.
وبالعودة الى الزوجين، فإن زينة لم تنجح يوماً في «قبع» زيزو عن البث طالما الكَتورة يصدح بمواهبه على الهواء.
حاولت معه ذلك مراراً بلا جدوى. «قوم حبيبي تعا شوف مين في عالتلفزيون. في وئام معصّب انت بتحبه نازل بَرش بالعالم».
– في كَتورة
– في وثائقي عن حياة ميا خليفة
– في كتورة
– في أتليتيكو عم ياكلوا
– كتورة
– في الشيف أنطوان عم يحشي بندورة
– كتورة
– في سلامة عم بيقول الليرة بخير
– كتورة
– في جبران بده يجيب الكهربا
– كتورة
– في الإمارات وصلوا عالمريخ
– كتورااااااع
المهم أن زيزو، الذي بات مرعوشاً يكسّر أطباقاً أثناء الجلي ليلَحّق أن يحَضّر لنفسه كاسة شاي وحبتين قضامة قبل حلول الساعة التاسعة بتوقيت بيروت موعد انطلاقة البث المباشر، المهم أن زيزو ومعه كل الزيزوات، باقون على عهدهم أوفياء في دعم الكتورة المعظّم طالما هو باقٍ ومتوهج ومبدع.. وعلى ما يبدو فأن الكابتن باقٍ من جهته بإذن الله على قلوب النقّاد والحاسدين والجاحدين والمتفلسفين وكل من قال عنه «فقاعة صابون»، وسيظل كايدهم وجالطهم حتى آخر نقرة عجرفة في نفوسهم وآخر نبضة إيقاع في جسد الفن والغناء، شاء من شاء وأبى من أبى.. أوكي؟؟ أوكي.
روح يا كابتن كلنا معك.