لورا بيتل (فايننشال تايمز)
تغييرات عميقة طرأت على المشهد السياسي في تركيا، خصوصا في ظل سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يواجه انشقاقات داخل حزب العدالة التنمية، كان أخرها انشقاق النائب السابق سلجوق أوزداغ الذي يتعرض إلى ضغوطا كبيرة.
كان سلجوق أوزداغ في طريقه لأداء صلاة الجمعة عندما وجد مجموعة من الرجال بانتظاره عند باب منزله وهم يحملون العصي ومسدس، وتعرض النائب السابق عن الحزب الحاكم، وهو الآن مسؤول كبير في حزب منشق حديث التكوين، للضرب المبرح، وأصيب بكسر في ذراعه وإصابة في الرأس احتاجت إلى 17 غرزة.
ويشتبه أوزداغ في أن مرتكبي الهجوم الشهر الماضي لهم صلات بحزب الحركة القومية شريك الرئيس أردوغان في الائتلاف الحاكم، والذي تشاجر معه لفظيًا قبل أيام من الهجوم.
ونفى حزب الحركة القومية هذا الادعاء. لكن أوزداغ البالغ من العمر 62 عامًا يقول إن التحالف الحاكم في تركيا يخشى حزبه الجديد، والذي تستهدف أنصار أردوغان المحبطين.
وقال لصحيفة فايننشال تايمز: «الحكومة يائسة.. وهؤلاء الناس يخشون الديمقراطية والشفافية والمساءلة».
العنف ضد أوزداغ هو مثال صارخ على التحديات التي واجهتها أحدث حزبين معارضين في تركيا بعد عام واحد من تأسيسهما بعد اتساع هوة الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان.
أوزداغ هو نائب رئيس حزب جيليسك أو (المستقبل) اليميني المحافظ الذي أسسه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو في ديسمبر 2019، حيث عانى حزب العدالة والتنمية من انقسام غير مسبوق في صفوفه.
الحركة الثانية التي انفصلت عن الحزب هي، حزب ديفا أو (الحل)، أسسها المعلم الاقتصادي السابق لأردوغان، علي باباجان، في مارس 2020 بهدف كسب تحالف عريض من الناخبين من اليسار واليمين.
تهديد لأردوغان
وعندما انطلق الحزبان، جادل المحللون بأن لديهما القدرة على تشكيل تهديد للرئيس التركي، الذي حكم لما يقرب من عقدين من الزمن، لكن حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه عانى من تآكل التأييد منذ أن وصل ذروته الانتخابية عام 2011.
بعد مرور عام، لم يصل أي منهما إلى مستوى الشعبية الذي كان يخشاه بعض مسؤولي الحزب الحاكم، حيث بلغ معدل اقتراع الحزبين 2 أو 3 في المائة.
يقول سليم سازاك، الباحث الزائر في جامعة بيلكنت في أنقرة: «المعارضة تواجه خيارات مستحيلة.. فمن الصعب عليك تنظيم الحملات الانتخابية والوصول إلى الناخبين عندما يتم نصب الكمائن لك والاعتداء عليك».
لا شك أن الحزبين الحديثين -وكلاهما سيتأهل في الأشهر المقبلة للمشاركة في الانتخابات -قد أثارا حفيظة الرئيس التركي، الذي سعى بشتى الطرق لإحباط حلفائه السابقين.
ويقول مسؤولون من حزب غيليسيك بزعامة داوود أوغلو إن الكثير من أنصار الحزب، ومنهم من كانوا ينتمون إلى صفوف حزب العدالة والتنمية، تعرضوا للتهديد بفقدان الوظائف الحكومية أو العقود التجارية إذا خرجوا من الحزب.
وقال محمد أمين أكمين، نائب رئيس حزب «ديفا» بزعامة باباجان، إن هناك تعتيمًا على الحزب في وسائل الإعلام الموالية للحكومة وبين ساسة الحزب الحاكم. قال: «إنهم يتحدثون كما لو أنه لا يوجد حزب اسمه ديفا ولا يوجد شخص اسمه عليّ باباجان».
لقد شكلت جائحة كورونا والقيود المصاحبة له عقبة غير متوقعة للأطراف التي ترغب في استخدام الحملات على الأرض لتجاوز الحظر الإعلامي. العقبة الأخرى هي التمويل. يقول كاني تورون، الأمين العام لحزب غيليسيك: «نحن ندفع نفقات الحزب من جيوبنا الخاصة».
حظوظ المنشقين
المحللون منقسمون حول حظوظ الحزبين المستقبلية، ويعتقد سليم سازاك أن داود أوغلو -الذي فاجأ المراقبين بهجومه الشرس على أردوغان -يشكل التهديد الأكبر لحليفه السابق، ويرى أنه «على الرغم من الضجيج حول باباجان، يبدو أن حزبه قد تعثر. وداود أوغلو هو الذي يسير بخطى حثيثة. ومع ذلك، فليس من المتوقع أن يحصل على أكثر من 5 في المائة من الأصوات، وهو الأمر اذي قد يجعل منه صانع ملوك».
أوزر سينكار، رئيس وكالة Metropoll لاستطلاعات الرأي، يتبنى وجهة نظر مختلفة، فهو يعتقد إن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا تجعل باباجان -الذي أدار الاقتصاد التركي خلال فترة النمو المرتفع والازدهار المتزايد –مصدر التهديد الأكبر، معتبراً أن لديه القدرة على كسب عدد كبير من الأصوات.
ويقول مسؤولون من كلا الحزبين إن الاستطلاعات الحالية لا تعكس الإمكانات الكاملة للحزبين الجديدين. يقدر إيكمين أن حوالي 50 في المائة من السكان لا يعرفون بوجود حزب ديفا.
وحتى الأعداد الصغيرة من الانشقاقات بين ناخبي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في عام 2023، يمكن أن تسبب صداعا لأردوغان، الذي يجب أن يحصل على 50 في المائة على الأقل من الأصوات. فقد حصل في انتخابات 2018 على نسبة 52.6 %، وتشير استطلاعات الرأي إلى تردد أعداد متزايدة من ناخبي حزب العدالة والتنمية.
لهذا السبب يلعب الحزبان الجديدان دورًا مهمًا في المعارضة الأوسع، وفقًا لسيرين سيلفين كوركماز، المديرة التنفيذية لمركز أبحاث إسطنبول «ليس من السهل على الناخب المحافظ أن يصوت لعلماني يساري، لكن يمكن أن يصوت لبابجان أو داود أوغلو». وظهور الحزبين شجع منتقدين آخرين لأردوغان.
وأكد أوزداغ الذي تعافى من الهجوم تصميمه على المضي قدما ولن تردعه التهديدات. ويقول أن هناك مثلا تركيا يذهب إلى أنه «مهما كان ارتفاع الجبل، فان المسار سيقود إلى القمة. ورغم كل العقبات والهجمات، سنواصل المسيرة».