اريكا سولومون (فايننشيل تايمز) –
في الجزء العلوي من مبنى صغير في بلدة أوسنابروك، عُلًقت لوحة صغيرة باسم أول مدرسة للأئمة في ألمانيا.
«إسلام كوليج»، في شمال غرب ألمانيا، هي ثمرة جهود دامت عقدًا من الزمن، قام بها علماء مسلمون، بما في ذلك مديرها بولنت أوكار، الذين كافحوا لإقناع السياسيين والمجتمع الألماني بحاجة البلاد إلى رجال دين محليين للجيل الجديد من المسلمين فيها.
يمكن أن يكون مشروعهم نموذجًا للمسؤولين الأوروبيين الذين يسعون لبناء «إسلام أوروبي» إذا استطاعوا استخلاص الدروس الصحيحة.
ففي أعقاب الهجمات التي شنها أصوليون متطرفون، بدأت فرنسا والنمسا وألمانيا في استهداف التمويل الأجنبي الذي يعتقدون إنه يحفز التعاليم التي تتعارض مع القيم العلمانية في أوروبا ويمكن أن يدفع بالمسلمين نحو التطرف.
وقد اقترح تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، الشهر الماضي إنشاء معهد أوروبي لتدريب الأئمة لمحاربة «أيديولوجية الكراهية».
ولكن وسط هذا الجدل الأيديولوجي الساخن، يشعر كثير من رجال الدين بالقلق من أن يؤدي تعاونهم مع هذه الجهود لمكافحة الإرهاب، الى تنفير المجتمعات التي يأملون في الوصول إليها، ويلحق بالمسلمين في أوروبا، أذى مضاعف من التطرف الأصولي.
يقول أوكار: نصبح طابوراً خامساً في نظر الأوروبيين غير المسلمين، نصبح طابورًا خامسًا، وأننا، في نظر المتعصبين، بعنا أرواحنا ولسنا أصليين.
ويضيف إن تأسيس مثل هذه المدرسة، التي تبدأ فصولها الدراسية في أبريل «لن يحقق الغرض المرجو منه بين عشية وضحاها، فالكثير من المسلمين يخشون أن ما نقوم به ليس إسلامًا حقيقيًا».
في غضون ذلك، تم تصميم اللوحة التي تحمل اسم المدرسة على أن تكون صغيرة، خوفًا من هجمات مجموعات الكراهية للإسلام والتي تبعث باستمرار، برسائل الكراهية إلى المدرسة.
قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار النمساوي سيباستيان كورتز حملة في أوروبا ضد ما وصفوه بـ «الانعزالية الإسلامية» و «الإسلام السياسي». وصدرت دعوات للتركيز على التمويل الأجنبي، الذي يأتي في الغالب من تركيا وشمال إفريقيا والخليج، والذي يقولون إنه يعزز النزوع إلى التطرف.
مثل هذه المزاعم تؤدي الى احباط طارق أوبرا، الإمام البارز في بوردو، الذي يطالب منذ فترة طويلة بقطع التمويل الأجنبي، مع أنه لا يرى أن له علاقة بالتطرف.
ويقول أوبرا، مثل غيره من القادة المسلمين الذين قابلتهم هذه الصحيفة، إن معظم المهاجمين تلقنوا التطرف عبر الإنترنت، ويرى أن التأثير الأجنبي يمثل إشكالية لأنه يمكن أن يزيد العزلة بين الأجيال الشابة التي لا تستطيع التواصل مع رجال الدين الذين لا يتحدثون لغتهم الأولى أو يفهمون حياتهم كأقلية أوروبية.
ويسعى أوبرو إلى «إسلام فرنسي» يحقق التكامل. فعلى مدى الأشهر العشرة الماضية، عمل مع زملائه من رجال الدين في مبادرة لتدريب الأئمة الفرنسيين، لكنه قال إن ذلك قد تم تقويضه بسبب هجوم ماكرون على الإسلام، بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة.
يرى أوبرا مفارقة مريرة هنا: يتكون المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من منظمات إسلامية متباينة، يأتي بعضها من خلفيات سياسية ودينية متباينة وتعتمد في التمويل على دول أجنبية، «النية طيبة ولكني لا أوافق على الطريقة على الإطلاق»، ومن الصعب تخيل كيف سيستمر هذا الوضع، المبادرات الموجهة من الدولة محفوفة بالمخاطر، فقد تخلت هولندا عن محاولات تأسيس معاهد تدريب للأئمة بعد أن خسرت المشاركة المحلية.
وقال بعض المشاركين إنه يبدو وكأنه برنامج أمني أكثر منه برنامج مجتمعي. في المقابل، أشار بعض رجال الدين إلى نجاح كلية كامبريدج الإسلامية البريطانية، وهي مبادرة أطلقها مسلمون.
أطلقت الجماعة الإسلامية في النمسا، برامج تعليمية في العديد من الجامعات النمساوية. وقالت فاليري موسى، المتحدثة باسم الجماعة: «إن الوعي بين الثقافات والوعي بما يعنيه العيش كأقلية في دولة علمانية أمر ضروري لزعيم مجتمعي».
مشكلة برامج الجماعة، مثل جميع البرامج الأخرى في أوروبا، هي التمويل. ينتشر التمويل الأجنبي لأن الأقليات المسلمة غالبًا ما تكون أصغر من أن تتمكن من تمويل رجال الدين أو تدريبهم. يقول جنكيز كالايسي، من مجموعة CFCM في فرنسا، إن مجتمعه يفكر في فرض ضرائب على الطعام الحلال، ثم اكتشفوا أن هذه الخطوة غير دستورية.
قال أوكار إنه وأقرانه سعوا للحصول على دعم حكومي لتأسي المعهد لتخريج الأئمة إمام منذ عام 2007، لكن المسؤولين المحليين والفدراليين يرفضون ذلك. وقال إن ألمانيا كانت سعيدة في يوم من الأيام بالسماح لتركيا بدفع فاتورة الأئمة. ولكن بعد توتر العلاقات مع الرئيس رجب طيب أردوغان، بدأت الحكومة تحارب التمويل الأجنبي.
وبالرغم من تأسيس المعهد، لا تزال معضلة رواتب الأئمة قائمة، وقال أوكار إن ألمانيا يمكن أن تقدم مساعدة غير مباشرة من خلال دعم البرامج الاجتماعية للطوائف الدينية والسماح لهم بجمع رواتب الأئمة.
ويتساءل أوكار: هذا ما يفعلونه مع الكاثوليك والبروتستانت واليهود، فلماذا يختلف الأمر مع المسلمين؟ ويجيب ان هذه مشكلة سياسية، والناس يميلون إلى الشعور بالقلق من الإسلام .
يمكن أن تؤدي القوانين المقترحة حديثًا في جميع أنحاء أوروبا إلى تصعيد التوترات وتقويض الجهود كتلك التي يقوم بها أوكار وأوبرو. اقترحت النمسا قانونًا أمنيًا يحظر «الإسلام السياسي»، وهو مصطلح يقول قادة الجماعة الإسلامية فيها إنه غامض بشكل يدعو للقلق.
وقالت ريم-سارة علوان، باحثة قانونية فرنسية، إن القانون الفرنسي المقترح بشأن مبادئ الجمهورية يستهدف المسلمين على الرغم من عدم ذكرهم صراحة. وأضافت ان “الحكومة تواصل التأكيد على أن المتطرفين، وليس المسلمين الفرنسيين، هم هدف هذا القانون، ومع ذلك تواصل استهداف المسلمين العاديين، وتسألهم إن كانوا «معنا أو ضدنا»! في ألمانيا، يأتي النهج المتشدد في وقت تتزايد فيه المضايقات للمسلمين.
وقال أيمن مزيك، من المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، إن الجالية تبلغ عن ثلاث إلى أربع حالات من الهجمات أو التخريب كل أسبوع، مما يجعل من الصعب، كما يقول، تشجيع المسلمين على «اعتبار أنفسهم ألمان».
ويعتقد أوبرو أن النقاش في أوروبا وصل إلى مرحلة الحرجة، العواطف تسيطر على الجدل بين الناس، والصوت العقلاني غير مسموع اليوم، لقد وصلنا الى نقطة يمكن أن يحدث فيها أي شيء.