العقارات التجارية.. خطر على البنوك؟

.

فيجون بلندر – «فايننشال تايمز» –

كانت شركة ماركس آند سبنسر البريطانية، التي أعلنت عن تخفيض 7 آلاف وظيفة في أغسطس، منشغلة بإغلاق المتاجر، كما فعل عدد لا يحصى من تجار التجزئة الآخرين. على جانبي المحيط الأطلسي، تعرضت متاجر تجزئة عريقة مثل بروكس براذرز ونيمان ماركوس ودبنهامز للإفلاس.

وفي الوقت نفسه، يخطط العديد من الشركات العملاقة في جميع أنحاء العالم لترشيد استخدام المكاتب من خلال تحقيق التوازن بين العمل في المنزل والمكاتب المشتركة في مقار العمل، إذ تصل مبالغ الإيجارات المتأخرة إلى المليارات. باختصار، أحدث مزيج سام من فيروس كورونا وزيادة المبيعات عبر الإنترنت، أي ما يسمى بتأثير أمازون، هزة في سوق العقارات التجارية.

ونظرا إلى أن انهيار العقارات يؤدي في كثير من الأحيان إلى أزمات مصرفية، فمن المفترض أن يدق هذا الأمر ناقوس الخطر. فهل قللت البنوك المركزية والجهات الرقابية المالية من أهمية التهديد الذي يشكله انهيار أسعار العقارات على النظام المالي؟

تقييم مدى الضرر الذي يلحق بالعقارات التجارية أمر صعب لأن السوق بطبيعته غير شفاف، والتقييمات بطيئة في التعبير عن هبوط الأسعار عندما تنهار الأسواق. ومع ذلك، فإن صناديق الاستثمار العقاري المدرجة Reits توفر دليلا مفيدا.

يحسب بنك التسويات الدولية، وهو بنك محافظي البنوك المركزية، أنه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا واليابان، قضت صدمة كوفيد-19 على مكاسب التقييم التراكمية التي حققتها صناديق الاستثمار العقاري خلال السنوات الخمس الماضية. وبالمقارنة، خسرت مؤشرات أسواق الأسهم في خضم الأزمة في أوائل مارس المكاسب التي حققتها في عام 2019 فقط، كما تخلفت صناديق الاستثمار العقاري عن تعافي سوق الأسهم الذي بدأ في أبريل.

إلغاء صفقات

ويجري إلغاء صفقات عقارية كما تتدافع شركات العقارات لجمع الأموال في أسواق السندات والاستفادة من التسهيلات المصرفية غير المستخدمة. ومن وجهة نظر أحد الخبراء العقاريين المخضرمين، فإن عقارات لا حصر لها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقل قيمتها الآن عن الديون التي تم استخدامها لتمويل شرائها.

وفي الوقت نفسه، تتزايد حالات التخلف عن السداد في سوق الأوراق المالية التجارية المدعومة بالرهن العقاري، والتي تتمركز بشكل أساسي في الولايات المتحدة. وتتوقع وكالات التصنيف الائتماني أن تقترب معدلات التخلف عن السداد الإجمالية قرب نهاية العام من نفس المستويات التي بلغتها في الأزمة المالية لعام 2008.

لا شيء من هذا جميل. ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأنها لا تنذر بتهديد للاستقرار المالي على مستوى النظام بأكمله. بادئ ذي بدء، أزمات العقارات التي ثبت أنها قاتلة في الماضي كانت بسبب الدورات الائتمانية الشديدة التي عملت فيها السوق كمستودع لفائض السيولة. مثل هذه الدورات تخلق فائضاً في المعروض من المشاريع العقارية الجديدة، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار. وقد كانت هذه هي الخلفية لأزمة الرهن العقاري العالية المخاطر لعام 2008، وكذلك في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي في أزمات العقارات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وأزمة منتصف السبعينيات في المملكة المتحدة.

اليوم، هناك أدلة أقل على وجود اختلال في التوازن بين العرض والطلب. ففي سوق العقارات التجارية في حي المال بلندن، والذي عادة ما يكون مقياسا ممتازا للإفراط في المخاطرة، لا يمثل فائض المعروض مشكلة واضحة. فالكثير من المساحات المكتبية التي يتم بناؤها متفق مسبقا على شرائها أو تأجيرها. وينطبق الشيء نفسه على معظم دول العالم المتقدم.

أما بالنسبة للتحدي الهيكلي الذي يمثله الاقبال على المزيد من العمل في المنزل، فيرى مايك برو، محلل جيفريز الذي سلط الضوء على مشاكل البيع بالتجزئة في مرحلة مبكرة، أن Zoom لن يفعل بالمكاتب ما فعلته «أمازون» بمراكز التسوق. وفي عالم ما بعد الجائحة، يتوقع برو إيجارات مكتبية أكثر مرونة وتغييرات جذرية يكون الخاسر فيها المباني الشاهقة القديمة ذات المصاعد الصغيرة وأنظمة التهوية القديمة. وهي بالكاد تمثل مادة كافية للتسبب بكارثة مالية.

ومن اللافت للنظر أيضا أن العقارات السكنية كانت مزدهرة في الولايات المتحدة على الرغم من كوفيد 19، وكذلك في المملكة المتحدة نتيجة الاعفاء الحكومي المؤقت من رسوم الدمغة. وهو ما يتناقض بشكل ملحوظ مع عام 2008.

أزمة.. غير وشيكة

الأزمة المصرفية، رغم أنها ليست مستحيلة، لا تبدو وشيكة. وقد ينظر إلى المشكلة الأساسية في العقارات على أنها امتداد لمشكلة قطاع الشركات الأوسع مع الديون المفرطة. وبعد كفاح الشركات العقارية هذا العام لجمع الأموال لمواجهة النقص في الإيجارات، تظل عرضة لصدمات أسعار الفائدة أو الأرباح. اذاً الشرير في القصة هو الفيروس وما تلاه من إغلاق للاقتصادات، ليكون قطاع العقارات مجرد ضحية أخرى.

اختبارات الجهد

السؤال الرئيسي المتبقي هو ما إذا كان لدى البنوك رأسمال كاف للتعامل مع كل من المستوى المرتفع لمعدلات التخلف عن السداد لدى الشركات وأسعار العقارات المتعثرة في الواقع، زادت رؤوس أموال البنوك بشكل كبير منذ الأزمة الأخيرة على أساس اختبارات الجهد المصرفية المنتظمة من قبل البنوك المركزية. وتباينت شدة هذه الاختبارات، حيث كانت أقل شدة على نحو واضح في أوروبا منها في أميركا وبريطانيا. ولكن حتى إذا استهانت السلطات بالضرر الذي يمكن أن يلحقه هبوط أسعار العقارات، فإن هناك حاجزا عازلا كبيرا، ويبدو أن استجابة السياسة النقدية والمالية لـ«كورونا» قد وضعت حدا أدنى لأسعار الأصول.