أبريل 27, 2024

اخبار ذات صلة

هل نحن بشر؟ هل غزة مسلخ؟ Are we Human Beings? Is Gaza a Slaughterhouse?

سألتُ هذا السؤال وتقصّدتُ أن أكتب العنوان بالإنكليزية لعلّ مقالي هذا يترجم إلى القراء بالإنكليزية كما العربية.
يوم السابع من تشرين الأول – أكتوبر، تاريخي بامتياز. حصلت عملية نوعية سميت «طوفان الأقصى» على يد المقاومة الفلسطينية ضد مواقع عسكرية ومستعمرات إسرائيلية في غلاف غزة، وأدت إلى مقتل حوالى ١٣٠٠ شخصاً هم ضباط وجنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي ومدنيون يحتلون أراضيَ فلسطينية. هذا توصيف حقيقي للواقع بحسب القانون الدولي. الفلسطينيون محتلة أرضهم، من قبل إسرائيل جنوداً ومستوطنين.
بديهي أن تقوم قيامة إسرائيل بعد هذه العملية النوعية. غير أنّ ردّ الفعل على الفعل تخطى الطبيعة وجنّ جنون القيادة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو. هذه الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل إستغلت هذه الحادثة لعملية «تطهير عرقي». يريدون «تنظيف» (أعتذر عن استخدام هذه الكلمة بحق الفلسطينيين) الأرض من أهلها. حتى أن رائد أعمال إسرائيلي نشر على صفحته على إنستغرام صورة متخيلة لقطاع غزة فارغاً من الفلسطينيين، متصوراً إياه منتجعاً عالمياً بعد تدميره على رؤوس الناس، وإعماره مجدداً ليضم مجدداً لإسرائيل.
لن أستطيع أن أذكر في هذه العجالة أرقام القتلى من الأطفال والأمهات والآباء الفلسطينيين الذين قضوا جراء قصف إسرائيل بطريقة وحشية لا يقبلها قانون الحروب ولا ناموس الخلافات بين الأعداء أو الخصوم! تخطى عدد الشهداء ٢٤٥٠ وأصيب ٩٢٠٠ شخص بحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم التاسع من العدوان. من هذه الحصيلة أحصي استشهاد ٧٠٠ طفل في غزة. كذلك في الضفة الغربية الذي لم تنطلق منه عملية «الطوفان» قتلت إسرائيل ٥٦ شخصاً وجرحت ١٢٠٠ شخص.
آلة القتل المتوحشة التي تديرها حكومة إسرائيل لإبادة الفلسطينيين، يلاقيها العالم بالتفرج. نعم، يشاهد المسؤولون العالميون ما يجري على التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي (معظمها لا يسمح بدعم فلسطين وتحجب مناشير و«قصص» التأييد للفلسطينيين في غزة)! أما المواطنون في الغرب الذين تنقل لهم المؤسسات العالمية ما تصوره فحسب، فهم إما جاهلون لما يجري أو «غير معنيين» أو ببساطة صاروا غير إنسانيين!
في الغرب، أميركا الرسمية مع إسرائيل الظالمة مهما فعلت، مهما عربدت. لكن لفتني فيديو وصلني عن مجموعة من يهود نيويورك الذين تجمعوا في ساحة منادين بوقف العدوان العسكري على المدنيين في غزة وقالوا لإسرائيل وأميركا: «لا تحمّلونا وزر المجزرة التي تحصل هناك» أي لا تقتلوا الفلسطينيين باسم الدين اليهودي. تظاهرة جريئة يجب الثناء عليها.
كان وزير خارجية الولايات المتحدة الذي ذكّر بأنه يهودي قد أعلن دعم البيت الأبيض الكامل لإسرائيل في عمليتها «التطهيرية» للقطاع. تلحق بريطانيا «العظمى» أميركا بشكل أعمى وتتبنى حرفياً كل ما يصدر عن الولايات المتحدة. قررت حكومة رئيس الوزراء الهندي الأصل – المليونير ريشي سوناك حظر التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وتجريم التلويح بالعلم الفلسطيني ومحاسبة أي شخص يدعم «حماس». فرنسا – ماكرون التي تخسر مستعمراتها في العالم شيئاً فشيئاً، قررت بدورها حظر التظاهرات المؤيدة لفلسطين وسجن من يتعاطف مع غزة لمدة خمس سنوات وإعلان السجن ٧ سنوات لمن يبث خطاباً «استفزازياً». أما ألمانيا بقيادة أولاف شولتس فحظرت التظاهرات المؤيدة لفلسطين وعنّفت كل من يعلن تضامنه مع الفلسطينيين وحظرت أنشطة «حماس» على أراضيها.
الغرب، الذي يتباهي بتأييده الحرية، هو العجب العجاب. الغرب نفسه، هو الذي يؤيد الحرية الجنسية بين الرجل-الرجل، الأنثى-الأنثى. الغرب الذي يسن قوانين متتابعة تسمح للأطفال أن يحددوا جنسهم بأنفسهم بعكس خلق الله، ويسمح للشاذين جنسياً أن يعملوا عمليات جراحية تغييرية تحوّلهم إلى كلاب تنبح! هذا الغرب (إلا قلة) يؤيد إبادة المدنيين الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي «المسالم والمسكين». ممّ يتكوّن الناس هؤلاء؟ هل مازالوا «بشراً» أم تحوّلوا إلى مخلوقات أخرى؟ أين الإنسانية التي فطرنا الله عليها؟ كيف لنا أن نتقبل مقتل ٢٤٥٠ فلسطيني في ٩ أيام؟ هذا يعني أن عدد القتلى (الشهداء) الفلسطينيين تعدى في ٩ أيام، عدد الشهداء في حرب غزة عام ٢٠١٤ عندما قتل على يد إسرائيل أكثر من ألفي فلسطيني خلال عدوان دام ٥٠ يوماً!
أقول «نحن» وليس «هم» فحسب، لأنني أقصد جميع الناس في العالم، في الغرب والشرق، وعند العرب.
تحدثنا عن أميركا- بايدن، الذي ينازع في صحته وتركيزه العقلي هذه الأيام بحسب تقارير طبية أميركية وبحسب الرئيس السابق دونالد ترامب. لكنه إزاء إسرائيل، أعلن أن دعم بلاده «صلب كالصخر» و«راسخ». وأرسل البيت الأبيض قوات دعم سواء بحرية أو مجموعات استخبارية بشرية لمساعدة إسرائيل.
شرقاً، أي روسيا والصين، موقفهما هزيل وإن تميز عن الغرب. فلاديمير بوتين المشغول بالحرب مع أوكرانيا قال «من الضروري العمل على الدبلوماسية بدلاً من الجانب العسكري والبحث عن حلول لوقف القتال وفي أسرع وقت ممكن». بوتين الذي تربطه علاقات جيدة مع نتنياهو، لم يشرح متى هذا الوقت «السريع». يعني ١٢ ألف شخص بين قتيل وجريح خلال ٩ أيام قد يتحول إلى مئة ألف وربما أكثر إذا طال العدوان خصوصاً عندما تقرر إسرائيل اجتياح القطاع براً. ماذا تنتظر روسيا «العظمى» كي تتدخل أو ترسل مبعوثاً أو تواصلاً مع الحكومة الإسرائيلية وتعبّر عن سخطها مثلاً أو تطلب وقف العدوان وتصرّ عليه؟
الصين أعلنت أن «إسرائيل تتعدى حدود الدفاع عن النفس وعلى الحكومة الإسرائيلية التوقف عن العقاب الجماعي». ألا تستطيع الصين، التي تُقلق أميركا، وترتبط بعلاقات جيدة مع إسرائيل الطلب إليها صراحة وقف العدوان بحق المدنيين؟
العرب المطبّعون مع إسرائيل موقفهم الإعلامي «مؤيد للفلسطينيين» من دون أي تدخل أو تهديد بوقف العلاقات مع إسرائيل. حتى أن فتح معبر رفح لمساعدة أهل غزة طبياً وإنسانياً يحتاج إلى معجزة! لكنّ الرئيس المصري أبلغ وزير خارجية أميركا أن «ردة الفعل الإسرائيلية على هجوم حماس تجاوزت الدفاع عن النفس وتحوّلت إلى عقاب جماعي». على أي حال، رد فعل الشعب العربي مؤيد لإخوانه الفلسطينيين، وهو ينتظر مواقف حكوماته للتحرك.
إيران تقول إن «إيران لا يمكن أن تبقى متفرجة» إذا توسع النزاع. فهل يتدخل «فيلق القدس» الإيراني في وقت قريب؟ لا أدري.
يبقى لبنان، المفلس اقتصادياً، يؤيد قضية الفلسطينيين لكنه لا يستطيع أن يدخل حرباً جديدة لأجل فلسطين. هو وحده من كان يدفع الثمن كرمى لإخوانه الفلسطينيين منذ العام ١٩٤٨ حتى اللحظة. قلوبنا مع فلسطين لكنّ لبنان سيدمّر عن بكرة أبيه، ربما أكثر مما حصل فيه خلال عدوان إسرائيل العام ٢٠٠٦. أما حزب الله الذي يضرب مواقع محتلة في جنوب لبنان ويردّ على قصف إسرائيل المدنيين من صحافيين وأهالي شبعا، فينتظر ربما اللحظة المناسبة للاشتراك في الحرب بشكل جدّي إذا توسع مداها.
في الخلاصة، العالم يتفرج على الفلسطينيين المدنيين ولم يساعدهم أحد. موضوع حماس، وعمليتها ضد إسرائيل، والسؤال عن فوائدها للقضية الفلسطينية من عدمها فلنتركها للتاريخ وللفلسطينيين أنفسهم. لكن أهل غزة المليونين ومئتين الموجودين في بقعة تساوي مساحتها ٣٦٥ كيلومتراً مربعاً، من ينقذهم من السكين الإسرائيلي؟ منذ ٧ تشرين أول- أوكتوبر، الجزار الإسرائيلي هاجم كالثور المجنون على الناس، الأبطال، لكن الذين لا يملكون مقومات الصمود. غزة اليوم هي مسلخ. فيما نحن، باقي العالم، معظمنا متفرجون، فاقدون للإنسانية.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً