شعر اللبنانيون في خلال الجولات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن في المنطقة، ان بلادهم ليست على الخريطة الاقليمية، بدليل استثنائها من اهتمامات الوزير الاميركي. الى أن جاءت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت، وكأنها بدل عن ضائع. وكان توقيت قدوم هوكشتاين ملفتا، اذ جاء بعد قصف العدو الاسرائيلي لسيارة مدنية بما أدّى الى استشهاد امرأة وثلاثة اطفال. وكان سبق لامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ان تعهد بالرد على اهداف مدنية في حال تمادى العدو الاسرائيلي وقصف اهدافا مدنية في لبنان.
هذا الاعتداء على مدنيين، أقلق واشنطن التي تحرص منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الاول، على منع امتدادها الى دول اخرى في المنطقة، ومن ضمنها لبنان. ويبدو ان زيارة هوكشتاين الذي بات يمتلك رصيدا جيدا من العلاقات مع المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تهدف في المقام الاول الى التواصل غير المباشر مع قيادة حزب الله عبر بري، وابلاغها رسالة مفادها اولا ان القصف الاسرائيلي للسيارة المدنية كان نتيجة خطأ، ولا يهدف الى توسيع نطاق الاشتباكات، والطلب منها ضبط النفس وعدم الانجرار الى تصعيد على مستوى تبادل ضرب المدنيين، بحيث يصبح التحكّم في مسار التصعيد أصعب، وتتعاظم مخاطر التفلّت.
والى جانب التحذير من التصعيد، تفيد المعلومات ان هوكشتاين ابلغ بري ان المفاوضات في شأن مرحلة ما بعد الحرب، ماضية على قدم وساق، وتحقق تقدما جيدا، بما يدعو الى التفاؤل بأن حصر الحرب في غزة ومنع امتدادها سيساهم في ارساء مناخ جديد اكثر استقرارا في المنطقة في المرحلة المقبلة.
كما تطرق هوكشتاين الى حرص الولايات المتحدة على حماية لبنان من نار هذه الحرب المدمرة، مشيرا الى ان الجهود في اتجاه اعطاء دفع جديد لعملية التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية، ستتكثّف وستلعب بلاده دورا فيها، بعد انتهاء الحرب، والوصول الى صيغة الحل المنشود.
في كل الاحوال، سبق للسفيرة الاميركية في بيروت، ان جالت من قبل على مسؤولين لبنانيين لابلاغهم رسائل مشابهة في شأن حرص واشنطن على إبعاد لبنان عن كوارث الحرب، سيما ان وضعه الاقتصادي والمالي لن يتحمّل النتائج، كما ان حنفية المساعدات لن تكون مفتوحة بعد الحرب. كما أبلغت واشنطن الجانب اللبناني، انها جادة في استخدام كل الوسائل المتاحة لديها لمنع امتداد الحرب الى دول المنطقة.
وفي المعطيات، ان هذا النوع من الرسائل الذي تتلقاه قيادة حزب الله، يتزامن مع رسائل واضحة تتلقاها طهران. ويبدو حتى اليوم على الاقل، ان الجهود الاميركية أتت ثمارها، بحيث ان امتداد الحرب الى لبنان اصبح مستبعدا اكثر، ولو انه لا يمكن حذف هذا الاحتمال بشكل نهائي.
وفي هذا السياق، هناك تخوّف من ان تكون “الرسائل” الاميركية مسموعة في طهران وبيروت، وغامضة في تل ابيب. اذ يتم نقل معطيات دبلوماسية تتخوّف من الجناح المتطرف في حكومة العدو الاسرائيلي، والذي يحاول ان يدفع في اتجاه توسيع الحرب، والافادة من الدعم الاميركي القائم، وتحويله الى عملية توريط للأميركيين في الحرب. هذا المنحى معروف من قبل الادارة الاميركية، وهي تعمل من خلال الترغيب والترهيب، على التصدي له، وتضغط بشكل خاص على نتنياهو ليكون حائط الصد في وجه هذه التوجهات.
ومن المؤكد ان القمة العربية في الرياض لمناقشة حرب غزة وما بعدها، ترتدي طابع الاهمية هذه المرة. كذلك بالنسبة الى القمة الاسلامية. وهناك توافق على ان هذه اللقاءات ستشكل في بياناتها الختامية خارطة طريق لمسار الحل ما بعد الحرب. وبالتالي، فان المفاوضات والضغوطات تجري حاليا في الكواليس، في شأن القرارات التي ستصدر عن هذه اللقاءات.
ومن البديهي ان واشنطن تلعب دورا محوريا في هذه النقاشات على مستويات ثنائية. ويجري الحديث عن عمليات تذليل للعقبات التي تعترض التوافق على قرارات نهائية مشتركة، لن ترسم مصير غزة فحسب، بل ستكون اللبنة الاولى في رسم خريطة المنطقة. ومن هنا، تهتم الاوساط اللبنانية بمتابعة سير ما يجري من مفاوضات، ولو من بعيد، على اعتبار ان لبنان سيكون بين الدول التي ستتأثر مباشرة بطبيعة الحل، وبما ستؤول اليه الاوضاع في دول المنطقة.