لا يزال اقتراح فرض ضرائب على المقترضين الذين سددوا قروضهم على غير سعرها الحقيقي، يثير الجدل والتجاذبات في الاوساط الاقتصادية، بين مؤيد ومعارض. ولعلها من المرات النادرة التي ستكون فيها الهيئات الاقتصادية، على خلاف مع المصارف. وفي العادة، وبما ان القطاع المصرفي هو جزء من الهيئات الاقتصادية التي تمثل ارباب العمل والشركات في كل القطاعات، كان التوافق قائما بين المصارف والهيئات. ولطالما دعمت البيانات الصادرة عن الهيئات القطاع المصرفي، ودعت الى انقاذه وضمان عودته الى ممارسة دوره الطبيعي في الدورة الاقتصادية، على اعتبار انه من دون مصارف لا يوجد اقتصاد، بالمعنى الحقيقي للكلمة.
هذه المرة، وبعد طرح مشروع الضرائب على المقترضين الذين حققوا ارباحا استثنائية، اصبحت الهيئات الاقتصادية في موقع نقيض للموقع الذي تقف فيه المصارف. ورغم ان الاقتراح الذي مرّ في اجتماع حكومة تصريف الاعمال، لا علاقة للمصارف بطرحه، بل جاء نتيجة توافق بين نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وحاكمية مصرف لبنان بالانابة، إلا ان المعلومات المتوفرة تشير الى ان المصارف تدعم هذا المشروع، انطلاقا من انه يساهم في تمويل صندوق استعادة الودائع.
لكن الهيئات الاقتصادية، ترفض هذا الاقتراح، على اعتبار أن قسماً كبيراً من ارباب العمل واصحاب الشركات، قاموا بتسديد قروضهم الدولارية بالليرة او باللولار، وحققوا ارباحا استثنائية كبيرة قدّرها تقرير صندوق النقد الدولي بـ15 مليار دولار، حتى منتصف عام 2022.
ويبرز في الهيئات التجار، وهم الاكثر تشددا في معارضة المشروع على اعتبار ان النسبة الاكبر من القروض المصرفية بالدولار كانت ممنوحة الى القطاع التجاري. وتشير تقديرات غير رسمية، الى ان حصة التجار من القروض التي تم تسديدها خلال الأزمة، يتجاوز الـ70% من مجموع القروض المصرفية، والتي كان حجمها في بداية الأزمة حوالي 38 مليار دولار، وانخفضت اليوم إلى حوالي 8 مليارات دولار. وهذا ما يفسر ربما، الهجمة الشرسة على الاقتراح التي تولاها نقولا شماس، رئيس جمعية تجار بيروت. لكن المفارقة هنا، ان شماس، وهو امين عام الهيئات الاقتصادية ايضا، يعتبر مستثمرا كبيرا في القطاع المصرفي، من خلال اسهمه في احد المصارف.
وبالتالي، اعتبر البعض ان هناك تضارب مصالح، ولو أنه اختار تبنّي موقف التجار. وهذا أمر بديهي، على اعتبار أن موقعه في جمعية التجار عو منصب عام، في حين أن استثماراته المصرفية شأن خاص. ومع ذلك، هناك من يهمس، أن شماس وسواه من التجار الكبار الذين قد تكون لديهم مساهمات في المصارف، سينحازون حتما ضد مشروع الضرائب، لأنهم قد يكونون استفادوا، واكثر من غيرهم، في تسديد قروضهم التجارية بسعر مخفّض، وحققوا ارباحا لم يحققوها يوما في استثماراتهم المصرفية.
في الموازاة، تتحاشى المصارف إعلان دعمها العلني لاقتراح الشامي، لئلا تزيد هوة الخلافات مع الهيئات الاقتصادية التي قررت ان تتحرك في اتجاه المسؤولين، لاقناعهم بعدم السير في مشروع الضرائب.
لكن معارضة الاقتراح قد لا تؤدّي الى اسقاطه، لعدة اعتبارات من اهمها:
اولا- انه اقتراح غير ظالم في حق المقترضين، على اعتبار ان هؤلاء استفادوا من تعاميم وقرارات مصرف لبنان، وسددوا قروضهم بحسومات وصلت احيانا الى حدود 90%. وبالتالي، من حق المودعين استعادة نسبة من هذه الارباح غير الطبيعية.
ثانيا- ان قرار انشاء صندوق استرداد الودائع صار راسخا اكثر، بعدما ابدى صندوق النقد موافقته عليه، وعلى تمويله بطرق متعددة ليكون بديلا عن اقتراح شطب الودائع الوارد في خطة التعافي الحكومية.
ثالثا- ان مصرف لبنان ووزارة المالية، بما يمثلان حاليا، يدعمان هذا المشروع.
رابعا- ان المجلس النيابي، ومن خلال المحادثات التي اجراها صندوق النقد مع ممثلي الاحزاب والقوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي، اصبح على اطلاع افضل على حقيقة الوضع الاقتصادي. كما ان المجلس يعتبر ان اي خطوة تساهم في تمويل صندوق استرداد الودائع ينبغي ان يتم دعمها لأنها تعني التخلي عن الكأس المرّة (شطب الودائع).
هذه المعطيات ترجّح فرضية اقرار اقتراح الضرائب على المقترضين، لكن المشكلة تبقى في آلية التطبيق، ذلك ان معوقات كثيرة سوف تظهر، من ضمنها مسألة التعاطي مع قانون السرية المصرفية، في كشف الحسابات لتحديد المستفيدين من اعادة القروض باسعار مخفّضة.