al saham

اخبار ذات صلة

الدولرة الشاملة ترسّخ صورة الدولة الفقيرة

ما أعلنه حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري في شأن قرار المركزي الاستمرار في دفع رواتب موظفي القطاع العام بالدولار حتى نهاية العام الجاري، يطرح مسألة الدولرة، وما اذا كان ذلك يساعد على تحسين القدرات الشرائية للمواطن، ام العكس هو الصحيح؟

من خلال التعاملات اليومية، يتبيّن ان الطلب على الدولار تراجع في اسواق الصرف، قياساً بما كان عليه قبل بضعة أشهر. ويبدو أن أحد الاسباب التي ساهمت في ذلك، يرتبط بالدولرة التي انتشرت وتوسّعت، بناء على معطيات عدة، من أهمها:

اولا- دفع رواتب موظفي القطاع العام بالدولار. وهذا الامر سوف يستمر وفق ما اكده منصوري مؤخرا.
ثانيا- السماح بتسعير السلع الاستهلاكية في السوبرماركت والمتاجر بالدولار.
ثالثا- دولرة بعض الرسوم والفواتير شبه الرسمية. وقد اصبح في مقدور المواطن دفع قسم من الفواتير بالدولار، حتى لو كانت مُسعّرة بالليرة.
رابعا- الدولرة شملت كل السوق، وصار في الامكان الدفع بالدولار او بالليرة، خصوصا في هذه الفترة التي تشهد نوعا من الثبات في سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
هذه المعطيات ساهمت في خفض الطلب العشوائي على الدولار، وتراجعت اعمال الصرافين بنسب كبيرة. كما أدّى هذا الوضع الى خفض طلب المستوردين على الدولار، اذ باتوا يقبضون ثمن بضائعهم المستوردة بالدولار. كذلك اصبح التاجر يسدّد بالدولار من دون الحاجة الى شراء كميات كبيرة من العملة الخضراء من سوق الصرف، على اعتبار ان نسبة كبيرة من مقبوضاته تتم بالدولار. وبالتالي، لا يضطر سوى الى تصريف قسم صغير من هذه المقبوضات، والتي يكون قد حصل عليها بالليرة.
في الموازاة، يحافظ مصرف لبنان حتى الان على الأقل، بالتنسيق مع وزارة المالية، على حجم الكتلة النقدية بالليرة كما هي. وطالما ان كتلة الليرة مستقرة، سيبقى سعر الصرف مضبوطاً الى حدّ ما، مع ان البعض يستبعد ان تبقى الكتلة على حجمها في المرحلة المقبلة.

لكن كل هذه التدابير، ومن ضمنها الدولرة، ساهمت في ارتفاع اسعار السلع والخدمات تباعا. ومن يتابع تطور اسعار الاستهلاك في السنوات الاربع الماضية، اي منذ اندلاع ازمة الانهيار، سوف يلاحظ ان ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية كان يتمّ بنسبة لا توازي نسبة ارتفاع الدولار. وهذا الامر بديهي، انطلاقا من الحقائق التالية:

اولا- في كل الأزمات الشبيهة التي تنشأ في اي دولة في العالم، تصبح السلع رخيصة نسبيا بسبب اضطرار التجار الى خفض ارباحهم عمّا كانت عليه في زمن البحبوحة، لأسباب نفسية ولأسباب واقعية ترتبط بتحاشي تراجع حجم المبيعات.
ثانيا- هناك فارق زمني بين انخفاض سعر اية عملة وانخفاض اسعار السلع، بما يعني ان اسعار السلع ستكون دائما اقل من نسبة انهيار العملة.
ثالثا- ان تأثيرات انخفاض العملة لا تشمل كل مكونات وكلفة السلع، بما يترك هامشا بين تراجع اسعار العملات وارتفاع اسعار السلع.
هذه المعطيات كانت واضحة في مسار ارتفاع السلع والخدمات في لبنان في سنوات الأزمة. لكن الرسم البياني لارتفاع السلع تغير بشكل خاص في العام 2023، حيث بدأت اسعار السلع تسجل ارتفاعات تفوق نسب انهيار سعر الليرة. ويعتبر البعض ان هذا المسار التصاعدي لاسعار السلع هو بمثابة تصحيح طبيعي للاسعار بعد مرور فترة على استقرار سعر الصرف. هذا التبرير يشكّل جزءا من المشهد، اذ ان اسعار السلع غالبا ما ترتفع تدريجيا لتلحق بنسبة انخفاض العملة. لكن الجزء الآخر من المشهد يرتبط حصراً بدولرة السوق بشكل شبه كامل، بالاضافة طبعا الى تدفّق دولارات السياحة، والدولارات التي يتقاضاها موظفو القطاع الخاص، والتي شهدت تصحيحا جزئيا مع الوقت.

وبالتالي، ارتفعت نسبة المواطنين الذين يمتلكون قدرات شرائية مرتفعة نسبيا، سمحت بتحريك السوق بشكل اضافي، وزادت الطلب الذي كان تراجع بشكل دراماتيكي في بداية الانهيار. هذا المُعطى سمح بدفع الاسعار الى الارتفاع بسرعة وبنسب كبيرة فاقت نسبة انهيار الليرة، التي استقرت منذ نيسان 2023.

الملاحظ في هذا الموضوع، ان اسعار بعض السلع ارتفعت اكثر من معدلاتها قبل الانهيار، وهذا يؤكد وجود طلب كثيف عليها، في موازاة تراجع عدد المؤسسات القائمة. اذ أن الأزمة في خلال العامين 2020 و2021 فرزت السوق، بحيث ان المؤسسات التي عجزت عن الصمود أغلقت بشكل نهائي. هذا الامر جعل السوق أضيق، وبالتالي، سمح لمن صمد برفع اسعاره اليوم من دون ان يخشى تراجع حجم اعماله.

هذا المشهد يعتبر شاذا من الناحية الاقتصادية، وسيساهم في ترسيخ صورة البلد المفلس والفقير، حيث تتسع الهوة كثيرا بين الميسورين والفقراء، وتضمحل تقريبا الطبقة الوسطى.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً