تشكّل إعادة المجلس النيابي لقانون الكابيتال كونترول إلى الحكومة، مزيجاً من الايجابية والسلبية في آن. وكان واضحاً أن هذه الاعادة تمّت برغبة من الحكومة، بعدما طال النقاش في القانون خلال جلسة الهيئة العامة للمجلس، وتدخل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ليدعم الاصوات التي اقترحت رد القانون الى الحكومة لاعادة درسه ومن ثم ارساله إلى المجلس.
الناحية السلبية في هذا الموضوع تكمن في المشهد العام من خلال استمرار التجاذبات حول قانونٍ كان يُفترض أن يصدر قبل اربع سنوات، عندما كان الهدف من اجراء مماثل منع خروج الاموال من المصارف اللبنانية، تمهيداً للبدء في خطة انقاذ تسمح باعادة الانتظام المالي إلى القطاعين العام والخاص. لكن هذا الاجراء الكلاسيكي الذي تتخذه كل دول العالم عندما تواجه ازمة مالية من هذا النوع، لم يُتخذ لأسباب مختلفة، تمتزج فيها الحسابات والمصالح الخاصة مع الاهمال وقلة المعرفة والشعبوية، بحيث ان الاجواء التي كانت سائدة أوحت بأن الكابيتال كونترول اجراء يضرّ المودعين، ويمنعهم من الوصول الى اموالهم، في حين انه يحمي الاموال، ويحتفظ بها لصون الحقوق، او على الاقل لضمان المساواة والعدل في توزيع الخسائر على المودعين، اذا كان لا بد منها.
هذا الواقع أثار دهشة واستغراب كل الوفود الدولية التي جاءت الى لبنان بهدف المساعدة، وكان السؤال المتكرّر، هو لماذا لم يتمّ اقرار قانون الكابيتال كونترول في بداية الأزمة؟ وكيف تسمح الحكومة والمجلس النيابي لنفسيهما بالاستمرار في مناقشة مثل هذا الاجراء، ولم يتمّ حتى الساعة الاتفاق على صيغة نهائية للقانون. وحتى وفد صندوق النقد الدولي، والذي كانت تتم استشارته في صياغة القانون، أبدى استغرابه وانزعاجه من الامر، وقال للحكومة اللبنانية بصراحة انه لم يواجه امرا مماثلا في اية دولة اخرى، اذ ان الكابيتال كونترول ليس خطة اقتصادية ومالية للانقاذ لكي تغرق الدولة بكل مكوناتها في مناقشة تفاصيله، بل هو اجراء بسيط ومبدئي يتم اتخاذه فور حصول الأزمة، ومضمونه متشابه بين كل الدول التي تلجأ اليه.
هذه هي الناحية السلبية في الموضوع، في حين ان الناحية الايجابية تكمن في ان القانون كما اقرته اللجان، وكان يُفترض اقراره في الهيئة العامة، يحتاج فعلاً الى تعديلات ضرورية، ويحتاج اكثر الى ان يأتي ضمن سلّة متكاملة لكي تتضح الصيغة الافضل القابلة للتنفيذ. وهذا الامر يتطلب اقرار خطة التعافي، ومن ثم اعادة الانتظام الى العمل المصرفي، وبالتزامن مع ذلك يمكن وضع قانون كابيتال كونترول قابل للتنفيذ.
وفي الصيغة القائمة حاليا، هناك استحالة في تنفيذ مندرجات القانون، خصوصاً انه لم يأخذ في الحسبان التفاوت الكبير في اوضاع المصارف. ويمكن متابعة موضوع التعميم 158 لكي نستدرك حجم التفاوت في اوضاع المصارف، اذ هناك مصارف قادرة على تنفيذ قرار توسعة التعميم من دون اي اشكال، في حين ان بعض المصارف تواجه صعوبة في ذلك، بسبب عدم توفر السيولة. وما جرى في قانون الكابيتال كونترول ان النواب دخلوا في لعبة شعبوية، مفادها ان من يقترح رفع سقف السحوبات المسموح بها شهرياً للمودعين يكسب شعبياً اكثر. وهكذا أصبحت النقاشات وكأنها مزايدة، وانتهت الى تحديد سقف الـ800 دولار، وهو الرقم الذي لا تستطيع الالتزام بتغطيته معظم المصارف اللبنانية. وفي هذه الحالة، ما الجدوى من القانون.
ما ينبغي ان تفعله الحكومة اليوم، وبعدما عاد القانون اليها، ان تُنجز خطة التعافي، وتُضمّنها قراراً يوضح كيفية تعاطي الدولة مع ديونها، وبناء على ذلك تتمّ اعادة الانتظام الى العمل المصرفي، ويصبح في الامكان صياغة قانون للكابيتال كونترول صالحاً للتنفيذ. وبهذه الطريقة تعود القوانين المقترحة في سلة واحدة الى المجلس النيابي، لكي يتسنّى للنواب مناقشة مشروع متكامل وواقعي، وقابل للتنفيذ متى أُقر.
وطالما ان الوضع بات يتطلب سلة متكاملة من اجل الحل، لا بد من إدخال تعديلات سريعة بناء على اقتراح تقدمه الحكومة، يتعلق بقانون السرية المصرفية، الذي سبق اقراره في المجلس النيابي، وكان الانجاز شبه الوحيد الذي تحقق في لائحة المطالب التي طلبها صندوق النقد كشرط مسبق لاقرار اتفاقية تمويل خطة الانقاذ المالي والاقتصادي في لبنان. وتهدف التعديلات المطلوبة الى معالجة نقطة واحدة طلبها صندوق النقد، لتسهيل تنفيذ تسديد الودائع ما دون الـ100 الف دولار، من دون شوائب او احتمالات ارتكاب اخطاء. وهذا الامر يجب ان يحصل، وسيكون من الجيد انجازه بالتزامن مع السلّة الواحدة.