عدد سكان الصين يناهز المليار والخمسمئة مليون نسمة، تصوَّروا أن يلجأ إلى الصين إثنان وأربعون في المئة من عدد سكانها ، من النازحين ، فيكون عدد النازحين فيها قرابة الستمئة مليون نازح ، أي ما يفوق عدد سكان العالم العربي من موريتانيا إلى العراق مرورًا بمصر.
هذه المقاربة إذا ما تمَّ إسقاطها على الواقع اللبناني، فإنها تظهِر مدى الخطر الديموغرافي واللعب بالتوازنات في البلد. المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري تحدَّث عن أن نسبة النازحين في لبنان بلغت 42 في المئة من عدد اللبنانيين. تطرح هذه النسبة جملة من التساؤلات والهواجس الوطنية والمجتمعية وحتى الطائفية:
النسبة التي قدَّمها اللواء البيسري تقود إلى استنتاج أن النازحين السوريين أصبحوا «الطائفة الأكبر في لبنان»، فما من طائفة في لبنان بلغت نسبة اثنين وأربعين في المئة.
هذا في تشخيص الواقع، ولكن ماذا عن المعالجة؟
لا بد من إدراج سلسلة من الحقائق والمعطيات لئلا تطغى الشعبوية غير المبررة على النقمة الشعبية المبررة.
السؤال هنا: لماذا اليوم وليس منذ إثني عشر عامًا ؟ النزوح السوري بدأ إثر اندلاع الأحداث السورية في آذار 2011، ومازال مستمرًا إلى اليوم، فما هي الخطوات التي اتُخذت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم؟ فما لم يُعالَج حين كان عدد النازحين لا يتجاوز العشرة آلاف، كيف سيُعالَج اليوم وقد أقترب العدد من أن يصبح مليوني نازح؟
ثم إن الإجراءات التي تتخذها بعض البلدات والقرى بمنع النازحين من أن يقيموا فيها أو يعملوا فيها، ما هو تأثيره الإيجابي؟ فإذا مُنِع النازح من أن يعمل في بلدة الحدث، على سبيل المثال لا الحصر، فإنه يعمل في كفرشيما ، أيضًا على سبيل المثال لا الحصر، فأين الإنجاز في هذه الحال؟
هناك إجراءات يفترض بالوزارات المعنية والأجهزة المختصة أن تقوم بها، ولكن هل فعلًا تقوم بها ؟ فحين يزور النازح سوريا ثم يعود منها، فكيف تنطبق عليه صفة نازح في هذه الحال ؟ ولماذا لا تُتخذ الإجراءات في حقِّه؟
بداية المعالجات يُفترض ان تبدأ من البلديات التي هي نواة الإدارة، فهل تقوم البلديات بدورها ؟ السجال في البلد يقوم على رفض المنظمات الدولية تسليم الأمن العام اللبناني الداتا الخاصة بالنازحين، ماذا يمنع البلديات أن تكوِّن هذه الداتا؟
إذا تولَّت كل بلدية إجراء جردة بعدد النازحين الموجودين في نطاقها ، سواء أكانوا يمتلكون أوراقًا ثبوتية وإقامات، او لا يملكونها ، فعندها تتكون الداتا، من دون الحاجة إلى تلك المتوافرة لدى المنظمات الدولية والتي تبتز فيها السلطات اللبنانية.
لو ان القوانين اللبنانية المرعية الإجراء جرى تطبيقها، لما كان البلد وصل إلى احتقانات لها علاقة بالنازحين، كما حصل في منطقة الدورة أو كما يحصل في أكثر من منطقة لبنانية، لكن بين عجز الدولة أحيانًا، وتواطؤ لبنانيين أحيانًا أخرى، طمعًا بربحٍ مادي، وصلت أزمة النازحين إلى ما وصلت إليه.
اللبناني يعتمد إزدواجية المعايير، فهو من جهة يطالب باتخاذ اقصى الإجراءات في حق النازحين، لكنه في المقابل يوظِّفه لديه بصفة مياوِم ، بصرف النظر عما إذا كان مقيمًا بطريقة مشروعة او دخل خلسة. اللبناني ينظر إلى النازح من زاوية كيف يؤمن الوِفر وليس كيف يزاحِم السوري العامل اللبناني.
«على القلم والورقة»، إذا استمر هذا الجو ، من دون معالجة جدية، فإننا سنكون أمام «معارك متنقِّلة»، فهذا التجييش والإحتقان لا يمكن إلا أن يوصِل إلى الأنفجار، فهل بالإمكان البدء بالمعالجة، على القاعدة التي أسلفنا ؟ أم أن الإنفجار هو المطلوب؟