التحركات الدولية السريعة التي طفت الى السطح، عقب إقدام العدو الاسرائيلي على اغتيال نائب رئيس المجلس السياسي لحركة حماس صالح العاروري، الذي كان موجودا في مكتب لحركة حماس في الضاحية الجنوبية، تدل على حرص دولي واضح على منع انتقال الحرب الشاملة الى لبنان. وفي المعلومات، ان ما أُعلن من مواقف، في مقدمها الموقف الفرنسي، ليس سوى رأس جبل الجليد، لأن الاتصالات الدبلوماسية البعيدة عن الاضواء نشطت لإقناع الفرقاء بعدم الانجرار الى تصعيد قد يؤدي الى الكارثة.
ومن البديهي ان الاتصالات شملت طهران وحزب الله، والحكومة اللبنانية، ولو بدرجة اقل، على اعتبار انها الاقل تاثيراً في هذا الملف، لكي لا نقول ان لا تأثير لها في المطلق.
اذا نجحت مساعي منع الانجرار الى الحرب، فهذا يعني ان خطوات لاحقة سوف يتم اتخاذها تتعلّق بالوضع الداخلي في لبنان، لضمان المزيد من التهدئة وضبط النفس.
وفي هذا السياق، تشير المعطيات الى زيارتين مرتقبتين الى بيروت، لكلٍ من الموفد الاميركي اموس هوكستاين، الموجود حاليا في اسرائيل، والفرنسي جان ايف لودريان. ويبدو ان مهمة الاميركي تتركّز على “طمأنة” حزب الله، ومحاولة اقناعه بضرورة ضمان التهدئة. وقد يقدّم الموفد “مغريات” متعددة من ضمنها وعود بمسألة اعادة اطلاق العمل في ملف استخراج الغاز من البلوكات الجنوبية، ومشاركة اميركية في المزايدات، لضمان اغراء بقية الشركات العالمية على المشاركة ايضا.
لكن البعض يغمز من قناة ان هوكستاين سيتطرق الى الملف الرئاسي، بحيث انه قد يوحي بأن بلاده جاهزة لاعطاء الحزب ما يطمئنه، في حال وافق على تطبيق القرار 1701، واعاد تمركز قواته الى ما وراء خط الليطاني. وفي التفسيرات التي يتداولها البعض، ويتخوّف منها، ان هذه التطمينات لا يمكن ان تخرج عن سياق القبول بوصول مرشح قريب من الحزب الى قصر بعبدا.
ويذهب البعض أبعد من ذلك، ليؤكد ان الحزب هو من طرح هذه المعادلة بطريقة غير مباشرة، عندما بعث برسائل الى الدول المهتمة باقناعه بتطبيق الـ1701، ان لديه مجموعة شروط، في مقدمها ان يتم هذا الامر في ظل حكم يطمئن له الحزب. وقد فُسر هذا الطلب، بأنه يعني ان الحزب يريد رئاسة الجمهورية، وربما اكثر، لكي يوافق على ما تطالب به الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية.
هذا الامر اثار مخاوف خصوم الحزب في لبنان، خصوصا انهم كانوا يتوجسون قبل حرب غزة من اية صفقة يمكن ان تؤدي الى هذه النتيجة. وقد اصبح الموضوع اقرب الى الواقع، من وجهة نظرهم، بعد الحرب، وحاجة الدول الى إقناع الحزب بالابتعاد عن الحدود، وضمان التهدئة.
طبعا، كل هذا الكلام ليس مُثبتاً، ولم تصدر عن الحزب اية اشارة تدل على انه مستعد لمقايضة من هذا النوع. بل ان المحسوبين على محور الممانعة، يؤكدون انه كلام تشويهي يُراد منه اقناع الرأي العام بأن حزب الله مستعد ان “يبيع” قضية غزة، ومبدأ وحدة الساحات، مقابل مكاسب سياسية في الداخل، وهذا الامر غير صحيح، ولا يستند الى الوقائع الواضحة للجميع، والتي تفيد بأن الحزب لن يبحث في اي امر من هذا النوع، قبل وقف الحرب في غزة.
في كل الاحوال، وبصرف النظر عمّا سيقوله الموفد الاميركي، فان الموفد الفرنسي سيحاول المتابعة في الخط نفسه الذي انتهى اليه، قبل ان يوقف مهمته الرئاسية. هذا النهج بات قائما على مبدأ البحث عن مرشح ثالث يمكن ان تتقاطع حوله مواقف القوى السياسية الرئيسية في البلد. طبعا، هذا الموضوع لن يكون سهلا، إلا اذا كان الشرخ الذي نشأ في العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر سيسهّل مهمة لودريان هذه المرة. اذ ان الحزب كان في السابق لا يزال يراهن على امكانية تليين موقف رئيس التيار جبران باسيل حيال انتخاب سليمان فرنجية، لكن هذه الامكانية اصبحت صعبة ومعقدة، بعد التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. وقد اعتبر باسيل ان الحزب خذله، وبالتالي، تدهورت العلاقات الى حد القطيعة في الوقت الراهن.
هذا الوضع يعني ان الحزب لم يعد يستطيع الرهان على حليف مسيحي قوي يمكن ان يؤمّن وصول فرنجية الى قصر بعبدا. وفي هذه الحالة، من البديهي ان القوى السياسية العاجزة عن إحداث أي خرق في ايصال مرشحها، ستصبح اكثر جهوزية للتفاوض حول مرشح ثالث يحفظ ماء الوجه للجميع، ويضمن انتهاء المواجهة على طريقة لا غالب ولا مغلوب. وفي هذا الوضع، يمكن الرهان على ان مهمة لودريان ستكون اسهل في المرحلة المقبلة، مما كانت عليه في المرحلة السابقة.