رغم ان حزب الله سرّب عبر اوساطه، وفي التوقيت الذي تحركت فيه اللجنة الخماسية في بيروت بهدف البحث عن مخرج للاستحقاق الرئاسي العالق منذ سنة و3 أشهر، ان الوقت ليس للرئاسة حالياً، وانه “غير فاضٍ” لهذا الملف حاليا، الا أن ذلك لا يعني ان الابواب موصدة، وان ما تحاول ان تنجزه الدول الخمس لا معنى له.
وفي هذا السياق، تبرز الملاحظة الاولى على موقف حزب الله، انه تسرّب عن مصادر مقربة منه، بما يؤكد ان الحزب ترك الباب مفتوحا، على اعتبار انه لم يصدر اي موقف رسمي، وفي امكانه التنصّل من الكلام الذي قيل من دون اي إحراج.
الملاحظة الثانية، ان هذا الموقف يهدف الى محافظة الحزب على المبدأ الذي اعلنه في ملف الحرب في غزة، وما قيل وتردّد عن تطبيق القرار 1701، حيث اكد ان لا تفاوض قبل وقف النار في القطاع. ويبدو ان الحزب اراد ان يرسل الرسالة نفسها في الموضوع الرئاسي، ومفادها ان الكلام في هذا الاستحقاق يبدأ بعد وقف النار في غزة.
ثالثا- بمجرد ان يواصل رئيس المجلس النيابي نبيه بري تواصله مع اللجنة الخماسية، وبمجرد ان يعلن عن ايجابيات تضمّنها اللقاء الاخير للجنة معه في عين التينة، فهذا يعتبر بمثابة مؤشر على ان الحزب يواصل التفاوض غير المباشر في هذا الملف، بصرف النظر عما يقوله في العلن، وبعضه تقتضيه ظروف المواجهة، وظروف مخاطبة الرأي العام.
الملاحظة الرابعة، تكمن في الاجواء المتعلقة بحرب غزة، حيث يتم التركيز على ورقة باريس التي جرى التفاهم عليها، وتقضي بقيام هدنة مدتها تصل الى شهرين يتم خلالها تبادل الاسرى بين الاحتلال الاسرائيلي وحركة حماس. وهذا يعني انه بمجرد قيام هدنة طويلة، قد يصبح في الامكان التفاوص على الملف الرئاسي اللبناني، من دون أي إحراج بالنسبة الى حزب الله.
انطلاقا من هذه الحقائق، يستعد الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الى العودة الى بيروت في المرحلة المقبلة. ورغم ان موعد الزيارة لم يتحدّد بعد، الا ان البعض لا يستبعد ان تتزامن عودته الى بيروت مع ابرام اتفاق الهدنة، في حال لم يطرأ اي تطور قد يحول دون ذلك. طبعا، هذا لا يعني ان لودريان لن يزور بيروت اذا فرط موضوع الهدنة، لكن توقيت الزيارة على روزنامة الهدنة سيكون من العوامل المسهّلة لفرص نجاح مهمته.
ومن خلال ما بحثته اللجنة الخماسية مع بري، وما تسرّب من معطيات في هذا الموضوع، من الواضح ان اللجنة تحاول ان تبعد عنها حتى الآن على الأقل، كأس التسميات، ولا تزال تعمل على مبدأ المواصفات التي يمكن إسقاطها على الاسم المناسب الذي قد يحظى بأكبر قدر ممكن من الاجماع الداخلي حوله.
بالاضافة الى المواصفات، حملت اللجنة الى رئيس المجلس النيابي الاجواء التي سبق ان اشاعتها من خلال تصريحات اعضاء فيها، لجهة وجود قناعة لدى الدول التي يمثلها هؤلاء السفراء تفيد بأن الاوضاع المضطربة في المنطقة، والمفتوحة على كل الاحتمالات، ينبغي ان تشكّل حافزا اضافياً للقوى السياسية اللبنانية لكي تعمل على تحصين الوضع السياسي الداخلي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية. ويبدو ان السفراء اشاروا الى دقة موقف لبنان في حال وصلت الامور الى مرحلة التفاوض في المنطقة على حلول جذرية للأزمات، انطلاقا من حل القضية الفلسطينية، اذا لم يكن هناك انتظام سياسي يجسّده وجود رئيس للجمهورية، يسمح بوضع البلد على طاولة المفاوضات، بدلا من استمرار تهميشه، والتفاوض بالنيابة عنه.
وشرح السفراء انه في حال لم نصل الى هذه المرحلة، وذهبت الامور الى ما هو اسوأ، فان ذلك ينبغي ان يشكّل ايضا حافزا اساسيا لتحصين الوضع الداخلي، وترتيب البيت السياسي، لتخفيف التداعيات المرتقبة على لبنان وسواه من دول المنطقة.
في هذه الاجواء، ستكون لعودة لودريان هذه المرة نكهة خاصة، مع التأكيد ان الدول الخمس صارت مقتنعة بأن الاتفاق على اسم الرئيس المقبل، يفترض ان يتم من خارج الاصطفافات حول الاسمين السابقين اللذين خاضا المواجهة الانتخابية في المجلس النيابي ولم يصل أي منهما، وانه لا بد من ان ياتي الرئيس العتيد من لوائح الخيار الثالث، وما أكثرها.