أكد سفير فرنسا لدى لبنان هيرفيه ماغرو، أنه من الواجب والضروري إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، وهذا ما تسعى إليه فرنسا في مساعدة لبنان عبر موفدها الرئاسي جان إيف لودريان.
وشدد على أن إنتخاب رئيس للجمهورية أمر ملحّ، رئيس قادر على أن يباشر، إلى جانب حكومة مكتملة الصلاحيات، بالخطوات الضروريّة للنهوض بالبلاد على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
وأردف: “إننا نعي تماماً وجود مكامن قلق ومخاوف وصدمات لا يمكن التغاضي عنها، ولكن توجد أيضاً حسابات خطرة لا يمكن القبول بها. إنني على ثقة بقدرة اللبنانيين على تخطّي التحدّيات وتجنّب الأفخاخ”.
وتابع: “هذا الإحتفال بذكرى الرابع عشر من تموز تظلّله للأسف الغيوم الداكنة للحرب التي تمزّقه منذ الثامن من تشرين الأول والتهديد المستمرّ بحدوث تصعيد قاتل قد يمتدّ إلى كافة أراضي لبنان. وفرنسا لا تألو جهداً لنزع فتيل التصعيد وتسهيل التوصّل إلى تسوية عادلة تضمن إستقرار لبنان وسيادته”.
وأكد أن فرنسا تحمل إقتراحات أتاحت تحديد المقوّمات الكبرى لإتفاق محتمل: التنفيذ الكامل للقرار 1701، تعزيز اليونيفيل وتواجد القوات المسلّحة اللبنانية في جنوب لبنان، وترسيم الحدود البرّيّة بين إسرائيل ولبنان”.
وقال: “خلال الأسابيع الأخيرة. كثّفنا تحرّكاتنا الديبلوماسية بإتّجاه مختلف الجهات الفاعلة المعنيّة، لا سيّما في المنطقة، لأننا نتحدّث مع الجميع من دون إستثناء”.
واعتبر ماغرو في كلمة له بمناسبة العيد الوطني لبلاده، أن الوضع الإقتصادي في لبنان هش ومخادع بالرغم من مظاهر البذخ، مشددا على أن طريق الإصلاح واضح.
وعن انفجار مرفأ بيروت قال: “نلاحظ شلل التحقيقات والمسار القضائي في حين أن الرّغبة في العدالة وفي مكافحة الإفلات من العقاب تبقى قويّة للإصغاء إلى ألم الضحايا ورفض فقدان الذاكرة والبحث عن الحقيقة”، مشيراً الى إنّ تعافي لبنان سيمرّ لا محالة عبر تجديد النظام القضائي تحت المراقبة اليقظة والمستمرّة من جانب المجتمع المدني وبإحترام مبادئ الحوكمة الديمقراطيّة”.
وتوجه إلى الشباب بالقول: “مستقبلكم كما مستقبل لبنان بين أيديكم، وفرنسا قدمت 200 مليون يورو لمساعدة لبنان في الصعد كافة”.
فيما يلي الكلمة كاملة
أودّ أن أشكر بدايةً التلاميذ والأخت نوال من مدرسة القلبين الأقدسين في عين نجم على تأدية النشيدين الوطنيين اللبناني والفرنسي.
لقد أردتُ هذه السنة أن يقوم شبّان وشابّات بتأدية نشيدَينا الوطنيين كرمز لأهميّة التعليم بالنسبة إلى نشاط فرنسا في لبنان، إذ يستحوذ هذا القطاع على أكثر من ثلث دعمنا الإجمالي (35 مليون يورو) الذي تستفيد منه المؤسسات التعليمية الرّسميّة والخاصّة على حدّ سواء، منذ المرحلة الإبتدائيّة وعلى امتداد مراحل التعليم العام والمهني والفنّي حتى التعليم الجامعي. فالمدرسة هي البَوتَقة التي يُبنى فيها مُواطن الغد من خلال الروابط الإجتماعيّة والمهارات الشخصيّة والعيش المشترك، إضافةً إلى إكتساب الكفاءات.
أودّ إذاً أن أوجّه رسالة أمل إلى هؤلاء الشبّان والشابّات: “مستقبلكم بين أيديكم، تماماً كمستقبل لبنان. أعيد التأكيد هنا على عزمنا على المساهمة في أن نضع بتصرّفكم أفضل الأدوات لكي يتمكّن بلدكم من إستعادة إزدهاره وإستقراره.”
بالإضافة إلى التعليم، نحن نحشد جهودنا أيضاً لتحسين الحصول على الخدمات الأساسيّة في مجال الصحّة كما في مجال المياه، لا سيّما لصالح المجموعات الأكثر هشاشة. بشكل إجماليّ، تمّ حشد أكثر من 100 مليون يورو لمصلحة مشاريع في مختلف المناطق، من دون أن ننسى العديد من مشاريع التعاون اللامركزي، ومبادرات الرّعاية التي تقوم بها الشركات، والهبات التي تقدّمها الجمعيّات الفرنسية والمواطنون الفرنسيون. خلال جولاتي الميدانيّة، قمت بزيارة مراكز صحّية ومستشفيات ومحطّات ضخّ ومدارس، وفي كلّ مرّة، تأثّرتُ ودُهشت بمدى إلتزام شركائنا وبجودة المشاريع. وهي مشاريع تستند إلى الأولويّات الوطنيّة اللبنانيّة في إطار حوار متواصل وبنّاء مع السلطات.
كما أتاحت لي نقاشاتي مع العديد منكم أن أدرك كم أن الفرنكوفونيّة تشكّل محوراً أساسيّاً آخر من محاور الاهتمام المشترك. على مشارف إنعقاد قمّة “فيّي-كوتيريه” في مطلع شهر تشرين الأول المقبل، أنا مقتنع بأهميّة الحفاظ على الفرنكوفونيّة في لبنان، هذا “البلد الرسالة”، لأن التعدّدية اللغوية في صلب الهويّة اللبنانية. ويشكّل اللبنانيّون واللبنانيّات جسوراً بين الثقافات والجغرافيّات المختلفة ولكن علينا ألّا نسيء التقدير، فإن هم فقدوا خصوصيّتهم، فقدوا ميزتهم النّسبيّة أيضاً. ونحن عازمون كذلك على الحفاظ على الثقافة في هذه الأزمنة المضطربة، بفضل شبكة فروع المركز الفرنسي في لبنان وهي شبكة إستثنائيّة بحقّ، من خلال توفير مساحات للإبتكار والسينما والأدب وتبادل الأفكار.
سيّداتي وسادتي،
إنني مدرك أيضاً للتحدّيات الإقتصاديّة التي ما زال ينبغي مواجهتها في الوقت الذي وجد فيه العديد من اللبنانيين أنفسهم في وضع هشّ أو غرقوا في الفقر. ففي بعض الأحياء، نرى سيّارات فارهة وصالات خارجيّة مكتظّة في المطاعم ومتاجر لبيع السّلع الفاخرة. قد تدفعنا هذه النظرة السّطحيّة إلى الإعتقاد بأنّ الاقتصاد قد تحسّن ولكنّ الأمر ليس على هذا النحو أبداً، خلافاً لإنطباع شائع على نحو مُستغرب.
الأمر ليس على هذا النحو لأن الاقتصاد اللبناني يكتفي بالبقاء على قيد الحياة والفضل بذلك يعود بشكل كبير إلى تحويلات المغتربين التي تدعم الإستهلاك، وإلى السياسة الجديدة الأكثر حذراً التي يطبّقها المصرف المركزي اللبناني.
الأمر ليس على هذا النحو لأن القطاع المصرفي ما زال متوقّفاً والصادرات ما زالت تتراجع وصيانة البُنى التحتيّة غير ممكنة، وخاصّة لأنّ نصف الشعب يعيش تحت خطّ الفقر. ولكن الجميع يعرفون طريق الإصلاحات التي يجب سلوكها لوضع الاقتصاد اللبناني على السّكّة الصحيحة.
إن فرنسا، ومن دون إنتظار هذه الإصلاحات الضروريّة، تبذل قصارى جهدها لتقديم الدعم لبعض القطاعات المحدّدة التي يمكن تحقيق تقدّم سريع فيها. لقد قدّمنا مجموعة من الدراسات والوثائق المتعلّقة بإستدراج العروض بهدف تسريع وتيرة إعادة التأهيل الكاملة لمرفأ بيروت بالإضافة إلى إستيفائه للمعايير في مجال الأمن والسلامة. ونحن ندرس أيضاً إمكانيّة تقديم حلول تمويليّة للشركات اللبنانيّة الرّسميّة الصغيرة والمتوسّطة الحجم التي تريد أن تنمو على صعيد التصدير إلى الخارج.
أجل، ما زلت متفائلاً ! إن الإصلاحات الضرورية التي لن أقوم الآن بتعدادها من شأنها أن تبدّل المشهد بسرعة بالإستناد إلى خزّان من المواهب الإستثنائيّة ومجموعة من الشركات الفرنسيّة التي أحيّي في هذا السّياق إلتزامها وقدرتها على الصّمود.
فقد بقيت هذه الشركات في زمن السّلم كما في زمن الأزمات لتؤدّي دوراً هامّاً في الدّيناميّات الجديدة التي تشهدها البلاد، لا سيّما في مجال التقنّيّات الجديدة، ممّا يمثّل ثلث الوظائف التي يتمّ خلقها في لبنان، والمخصّصة لمهمّات على الصعيد الدّولي، أي بما يتخطّى بكثير منطقة الشرق الأدنى. يكفي أن ننظر إلى مبادرات الاقتصاد الجديد المبني على التكنولوجيا وظهور الشّركات الناشئة في لبنان، في “منطقة بيروت الرّقميّة” (Beirut Digital District) ومدرسة Ecole 42 التي إفتتحتها شركة CMA CGM. سَترَون فيها طلّاباً ذوي مهارات إستثنائيّة تتخطّى المعدّل الدّولي. هذه أيضاً إحدى أولويّاتي للتحضير للبنان الغد. لن أقوم الآن بتعداد كافّة الإمكانيّات المتوافرة في هذا البلد، من الصناعة إلى الزراعة، والتي تستحقّ أن يتمّ تنفيذ الإستراتيجيّات الملائمة للإستفادة منها. ونحن عازمون على مواكبتها.
سيّداتي وسادتي،
بعد إنقضاء حوالى أربع سنوات على مأساة مرفأ بيروت، لا يسعنا للأسف إلّا أن نلاحظ شلل التحقيقات والمسار القضائي في حين أن الرّغبة في العدالة وفي مكافحة الإفلات من العقاب تبقى قويّة للإصغاء إلى ألم الضحايا ورفض فقدان الذاكرة والبحث عن الحقيقة. إنّ تعافي لبنان سيمرّ لا محالة عبر تجديد النظام القضائي تحت المراقبة اليقظة والمستمرّة من جانب المجتمع المدني وبإحترام مبادئ الحوكمة الديمقراطيّة. هذا هو معنى الإلتزام الفرنسي تجاه إصلاح القضاء في هذا البلد، الذي ينبغي ألّا يغيب عن أنظارنا. ويترافق ذلك مع تعاون ثنائيّ عالي الجودة مع قوى الأمن الداخلي التي أودّ أن أوجّه التحيّة إليها.
في هذا السّياق، أودّ أن أذكّر بالجهود المستمرّة التي تبذلها فرنسا من أجل المساهمة في التوصّل إلى مخرج من الأزمة السياسية الراهنة. تعلمون بلا شكّ ما هي الرّوابط التاريخيّة والإنسانيّة والثقافيّة التي تجمعنا بكم. إنّ قوّة هذه الروابط هي التي تفسّر إلتزامنا بمساعدة بلدكم على إيجاد الحلول بهدف بناء مستقبل أكثر إستقراراً وإزدهاراً، بدءاً بإنتخاب رئيس للجمهورية.
هذا هو هدف إنخراطنا، إلى جانب شركائنا في اللجنة الخماسيّة، للقيام بكلّ ما يسعنا القيام به كَيلا يستمرّ هذا الفراغ. وهذا ما نقوله، مع جان-إيف لودريان، منذ عدّة أشهر: إن إنتخاب رئيس للجمهورية أمر ملحّ، رئيس قادر على أن يباشر، إلى جانب حكومة مكتملة الصلاحيات، بالخطوات الضروريّة للنهوض بالبلاد على الصعيدين الداخلي والإقليمي. إننا نعي تماماً وجود مكامن قلق ومخاوف وصدمات لا يمكن التغاضي عنها، ولكن توجد أيضاً حسابات خطرة لا يمكن القبول بها. إنني على ثقة بقدرة اللبنانيين على تخطّي التحدّيات وتجنّب الأفخاخ. أقول ذلك بصفتي ممثّلاً لفرنسا، صديقة لبنان، وأقول ذلك بكلّ تواضع، لأنه في نهاية المطاف، ينبغي على اللبنانيين أنفسهم أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم وأن يُثبتوا إرادتهم على المضيّ قدماًّ، وبإستطاعتكم الإعتماد على فرنسا.
والإلتزام الفرنسي يتبدّى أيضاً من خلال الجهود الديبلوماسيّة الجارية بهدف تجنّب السيناريو الأسوأ في النّزاع الذي يصيب جنوب لبنان. إن هذا الإحتفال بذكرى الرابع عشر من تموز تظلّله للأسف الغيوم الداكنة للحرب التي تمزّقه منذ الثامن من تشرين الأول والتهديد المستمرّ بحدوث تصعيد قاتل قد يمتدّ إلى كافة أراضي لبنان. وفرنسا لا تألو جهداً لنزع فتيل التصعيد وتسهيل التوصّل إلى تسوية عادلة تضمن إستقرار لبنان وسيادته. إلى جانب الشركاء الآخرين، نحن نحمل إقتراحات أتاحت تحديد المقوّمات الكبرى لإتفاق محتمل: التنفيذ الكامل للقرار 1701، تعزيز اليونيفيل وتواجد القوات المسلّحة اللبنانية في جنوب لبنان، وترسيم الحدود البرّيّة بين إسرائيل ولبنان. خلال الأسابيع الأخيرة، كثّفنا تحرّكاتنا الديبلوماسية بإتّجاه مختلف الجهات الفاعلة المعنيّة، لا سيّما في المنطقة، لأننا نتحدّث مع الجميع من دون إستثناء.
إن جهودنا لا تقتصر على لبنان بطبيعة الحال، لأننا نعرف جيداً، للأسف، أنه لا يستطيع الإنفصال كلّيّاً عن النزاعات في محيطه الإقليمي المضطرب. لذلك، إزاء المأساة في غزة، نواصل حشد جهودنا، أوّلاً من أجل التوصّل إلى إتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وثانياً من أجل أن يتمّ الإنخراط مجدّداً بمفاوضات تؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية قادرة على العيش بسلام وأمان إلى جانب إسرائيل.
والإلتزام الفرنسي يتبدّى أيضاً من خلال تواجد 700 جندي فرنسي في إطار القبّعات الزرقاء منذ عام 1978 في جنوب البلاد، وأودّ أن أحيّي العسكريين الذين حضروا لتمثيل قوة الإحتياط التابعة للقائد العام. إن الجنود الفرنسيين يؤدّون بكلّ عزم مهمّاتهم في إطار اليونيفيل، في مراكز أساسيّة في الناقورة، مثل مركز رئيس الأركان والممثّل الوطني. أريد أن أُشيد بإلتزامهم الدائم، على الرّغم من المخاطر والصعوبات، في خدمة السلام.
إنهم أبلغ مثال يشهد على التعاون الثنائي العسكري المُكثّف الذي إخترنا أن نواصله ونعزّزه على مرّ الأزمات المتلاحقة وفي مختلف الميادين: مكافحة الإرهاب والإتجار بالمخدرات، تدريب الكوادر، عمل الدولة في البحر والبيئة الجبليّة وفي مجالَي الهندسة والصحّة، وذلك من خلال الدورات التدريبيّة في لبنان وفرنسا وبعثات الخبراء وتقدمة المعدّات على شكل هِبات. منذ يومين، في الثاني عشر من تموز، تمّ تسليم 20 ناقلة جند مصفّحة VAB و20000 حصّة غذائيّة قتاليّة للقوات المسلّحة اللبنانيّة. كما أننا نعمل ضمن الإتحاد الأوروبي لحشد الجهود من أجل تأمين مساعدات مهمّة لصالح القوات المسلّحة اللبنانيّة.
أخيراً، أودّ أن أحيّي بشكل خاص الرّعاة الأسخياء الذين ساهموا في نجاح هذا الإحتفال بالعيد الوطني وأذكّر أنّه مُهدى للألعاب الأولمبيّة والبارالمبيّة التي ستجري في فرنسا إبتداءً من 26 تموز 2024. أغتنم هذه الفرصة لأشكر جميع الذين سوف يُتيحون لستّة عشر من رجال الإطفاء في بيروت حضور العديد من المباريات الرياضيّة خلال هذه الألعاب. ونحن لا ننسى أنّهم دفعوا ثمناً باهظاً في إنفجار الرابع من آب.
تفتخر فرنسا بإستقبال هذا الأولمبياد الثالث والعشرين وتفتخر خاصّة بتكريم الرياضة كمحفّز للتماسك وللميل إلى بذل الجهود. كما أن 22 متطوّعاً من الشابّات والشبّان اللبنانيين سافروا إلى فرنسا للمساهمة في حسن إجراء الألعاب الأولمبية.
والآن أرجو من المسؤولين عن اللجنتين الأولمبية والبارالمبية ومن الرياضيّين اللبنانيين المختارين، الذين سيتوجّهون في القريب العاجل إلى باريس، أن ينضمّوا إليّ. أتمنّى لهم بإسمكم وبإسمكنّ جميعاً، مع شيء من الغيرة في قلبي، حظّاً سعيداً في هذه المغامرة الرائعة.
عاشت فرنسا، عاش لبنان، عاشت الصداقة الفرنسية-اللبنانية!