مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

عاشت غزة.. مات العالم!

تمضي إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر بلا هوادة، ولا توقف، رغم كل المناشدات العربية والدولية. في العلن، هي تحارب حركة حماس التي قامت بعملية عسكرية ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في غلاف غزة، لكنها في الواقع تقضي على الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ. حتى كتابة هذا المقال، كان قد ارتقى من أهل غزة جراء القصف الإسرائيلي على رؤوسهم أكثر من أحد عشر ألفاً ومئة وثمانين شخصاً، بينهم حوالى ثمانية آلاف طفل وامرأة (٤٦٠٩ أطفال و ٣ آلاف و١٠٠ إمرأة)!. وارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من ثمانية وعشرين ألفاً.

وعلى قاعدة تحويل غزة إلى «أرضٍ بور» خالية من الأبنية والناس، مثلما يدعو عدد من الناشطين الإسرائيليين على وسائل التواصل الاجتماعي، دمّرت قوات الاحتلال الإسرائيلية ٤١ ألف وحدة سكنية بشكل كلي و٢٢٢ ألف وحدة سكنية بشكل جزئي.

العنف الإسرائيلي غير المسبوق على المدنيين تجلّى في أبشع صوره باستهداف المستشفيات وآخرها مجمّع مشفى الشفاء الطبي الذي نقل إليه المصابون الجرحى جراء الحرب والنساء الحوامل كي يتم توليدهنّ. كما انتقل إليه عدد هائل من أهل غزة الذين أرادوا الاحتماء في «منطقة إنسانية-طبية آمنة». لكنّ إسرائيل التي لا تقيم وزناً لأي اعتبارات إنسانية أو قانونية دولية إستمرت في قصف هذا المشفى فلم يسلم قسم العناية المركّز ومركز عناية القلب، كما توفي عدد من الأطفال الخدج بسبب توقف إمدادات الأوكسيجين وقطع الكهرباء. كما توقف ٢٢ مستشفى و٤٩ مركزاً صحياً بسبب الحرب الإسرائيلية على المدنيين. هذا الأمر، حذّر منه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الذي قال إن النظام الصحي في غزّة «منهك تماماً» ويتهاوى، مؤكداً مقتل طفل كل عشر دقائق في غزة.

يتبين من هذه الوقائع والأرقام، أن إسرائيل تريد إفراغ القطاع من ساكنيه. ترهب الناس في الشمال بالقتل ليذهبوا إلى الجنوب، وعندما تراهم ينتقلون يقصفهم الجيش الإسرائيلي. مصيدة كبيرة للناس هناك. حقد على الشعب الفلسطيني في غزة الذي أكد أنه مهما تطورت المعارك واشتد الحصار فإنه لن يترك موطنه نحو سيناء المصرية أو نحو أي منطقة أخرى. بالأصل في غزة، تحيط «إسرائيل» بالقطاع من الشمال والشرق. ومن الجنوب مصر. ومن الغرب البحر الذي تحاصره إسرائيل. عملياً ليس لأهل غزة إلا معبر رفح المصري الذي تراقبه أيضاً إسرائيل من جانب، ومن جانب آخر يتولاه الأمن المصري.

خارج غزة، يتحرك المؤيدون للقضية الفلسطينية في محاولة لوقف هذه المجازر المستمرة بلا توقف.
آخر المحاولات المهمة، كان اجتماع القمة العربية – الإسلامية في الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
رئيس القمة، الأمير محمد بن سلمان، كانت له كلمة تعبّر عن سياسة المملكة التي تتبعها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.

أولاً: أكد إدانة بلاده ورفضها القاطع لـ«الحرب الشعواء» على غزة، مشدداً على وجوب الوقف الفوري للعمليات العسكرية.
ثانياً: استمرار الحرب في القطاع يمثل فشلاً لمجلس الأمن، مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات.
ثالثاً: فتح الممرات الإنسانية في غزة فوراً بات أمراً حتمياً، مشدداً على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتحمل مسؤولية الانتهاكات ضد المدنيين في غزة.
رابعاً: وجوب إقامة دولة فلسطينية على حدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة.
خامساً: الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار بالمنطقة إنهاء الاحتلال والاستيطان والحصار، مشدداً على رفض المملكة بشكل قاطع استمرار العدوان والاحتلال والتهجير القسري لسكان غزة.
سادساً: هناك ازدواجية في المعايير بتطبيق القانون الدولي، حيث يجب وضع حد لانتهاكات إسرائيل الصارخة للقوانين والأعراف الدولية.
أهمية الكلام أنه صادر عن ولي العهد السعودي الذي كانت الأنظار تتجه لموقفه، ذلك أن إسرائيل كانت مهتمة جداً بمسألة «التطبيع» مع السعودية. هذا الموضوع يبدو أنه صار في الأدراج اليوم بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. لكن منذ ما قبل الحرب كان الموقف السعودي المعلن والمضمر، أنه يجب أن تعطي إسرائيل حقوق الفلسطينيين قبل أي حديث عن قبول التطبيع معها. وأتى الكلام الواضح لولي العهد ليؤكد ذلك.
ومن جوّ هذا الكلام صدر بيان القمة العربية الإسلامية غير العادية في الرياض.

وشمل البيان الختامي ٣١ بنداً لدعم الشعب الفلسطيني، والضغط لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، والتمسك بـ«حل الدولتين» ومبادرة السلام العربية باعتبارها مرجعية.
وأدان البيان، العدوان الإسرائيلي على غزة، وجرائم الحرب والمجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مشدداً على رفض توصيف حرب إسرائيل على غزة باعتبارها «دفاعاً عن النفس» وكذلك رفض تبريرها تحت أي ذريعة. وقررت القمة تكليف وزراء خارجية كل من السعودية، بصفتها رئيسة الدورة الحالية من القمتين العربية والإسلامية، والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ببدء تحرك دولي لوقف الحرب على غزة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الشامل والعادل.
جهود السعودية وقطر ومصر وغيرها من الدول مع الولايات المتحدة باتجاه وقف «إنساني» لإطلاق النار وإتمام صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس ستصل إلى نهاياتها قريباً. والضغط العالمي للوصول إلى «وقف قتل الأطفال» يكبر بشكل تدريجي في واشنطن ولندن وباريس وبرلين ناهيك عن عواصم أخرى.

قد يقول قائل: «كأننا حين نشاهد القنوات التي تنقل الأحداث في غزة، نشاهد فيلماً هوليوودياً مقيتاً، لا شيء فيه سوى قتل الأطفال وحمل جثث الرضّع ونساء البيوت المكفّنات والدمار الهائل للأبينة والبيوت والمجمّعات». مسلسل قتل، اللاعب الأساسي فيه هو بنيامين نتنياهو الذي تظهر عليه علامات التعب والأرق.. والإجرام. ومعه في المشهد وزير دفاعه يوآف غالانت ورئيس الأركان بيني غانتس.
سيقف القتال يوماً. في الوقت الحالي، تصدر تكهنات وتصريحات من واشنطن وتل أبيب وعواصم أخرى عن «ضرورة هزيمة حماس وإخراجها من غزة». قد يتغير الحكم في غزة من يد «حماس» لينتقل إلى السلطة الفلسطينية وربما غيرها. لكن في النهاية سيبقى أهل الدار في غزة ولن يتركوها. لن يكرر الفلسطينيون أبداً، مشهد هجرة منازلهم من فلسطين إلى خارجها ومعهم المفاتيح. أما غزة التي يُقتل أطفالها ونساؤها ورجالها بشكل «مباشر» على شاشات التلفزة، فأثبتت للتاريخ أنها هي التي «عاشت» ومات العالم!

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً