مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

شظايا غزة.. العين على مصارف الأردن ومصر

كلما طال أمد الحرب في غزة، ارتفعت المخاطر المتعلقة بالتداعيات الاقتصادية والمالية على دول المنطقة، سيما منها البلدان المعنية مباشرة بالأزمة، او تلك التي تعاني في الاساس من نقاط ضعف في اقتصادها بشكل عام. وقد بدأت التقارير الدولية تشير بوضوح الى هذه المخاطر، وآخرها ما صدر عن صندوق النقد الدولي، والموقف الذي أعلنته مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا، ويتضمنان تحذيرا من انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي في كل من لبنان والاردن ومصر، سيما لجهة تراجع ايرادات القطاع السياحي.

ولكن تراجع الايرادات السياحية لا تعكس منفردة الاضرار التي قد تصيب دول المنطقة، بل ان التداعيات قد تطاول قطاعات متعددة، في مقدمها القطاع المصرفي الذي يعتبر بمثابة بارومتر اقتصادي، تظهر من خلاله كل نقاط الضعف في مفاصل اقتصاديات الدول.
ولا بد من التأكيد ان تأثيرات حروب الاستنزاف على المصارف تبقى ضعيفة اذا ما انتهت هذه الحروب في فترة قصيرة، لكن عندما يطول أمد الاستنزاف، وتبقى مخاطر توسّع الحرب قائمة، تصبح اوضاع المصارف تحت المجهر، لجهة قدرتها على الاحتفاظ بالودائع، وقدرتها على الصمود في حالات انسحاب جزء من الاموال من صناديقها الى الخارج. وهنا تصبح المسألة مرتبطة ايضا بملاءة كل مصرف على حدة، وبنسب انكشافه على الخارج. طبعا، في الوضع الحالي يمكن القول ان مصارف لبنان خارج المعادلة، ولا مخاطر تلحق بها جراء هذا الوضع. لكن الامور مختلفة بالنسبة الى كل من الاردن ومصر.

وفي تقرير تقييمي لوضع المصارف العربية التي يمكن أن تتأثر بحرب غزة، أصدرت “ستاندرز اند بورز” تقريرا مفصلا حول تأثيرات الحرب على مصارف دول المنطقة، سيما الخليجية منها، بالاضافة إلى كل من مصر والاردن. وقد اعتمدت الدارسة التي أنجزتها وكالة التصنيف الدولية، على ركيزتين: هروب الرساميل من البنوك، وقدرة البنوك على تسييل موجودات خارجية لتغطية اي نقص طارئ في السيولة.

وطبقاً لتقديرات الوكالة، قد يبلغ مجموع الاموال التي قد تخرج من مصارف المنطقة في حال استمرت الحرب، حوالي 220 مليار دولار. وهذا الرقم كبير، سيما بالنسبة الى مصارف تعاني في الاساس من ضعف الاقتصاد المحلي، كما هي الحال في الاردن ومصر. وفي حين ان المصارف الخليجية مليئة وقوية، وحتى لو كانت مكشوفة على الخارج بنسبة كبيرة، فان ضمانتها تكمن في دعم الحكومات الخليجية القادرة على التدخل لحماية القطاع.

هذا الامتياز غير متوفر في مصر والاردن. ومن هنا، تبدو المخاوف في هاتين الدولتين اكبر. مع الاشارة الى ان الاردن، ورغم المخاوف من انسحاب رساميل من مصارفه، فان اموالا اخرى قد تدخل الى هذه المصارف من الجهات الفلسطينية المقيمة في الضفة، او كانت موجودة في غزة. وبالتالي، قد تكون هناك حركة نقل اموال من مصارف الداخل الفلسطيني الى الاردن، بما يعوّض جزئيا الاموال التي ستخرج من المصارف الاردنية.

في الموازاة، لا يبدو ان المصارف المصرية لديها مجالات للتعويض. بالاضافة الى ان الوضع قبل حرب غزة، كان وصل الى منحنى خطير، خصوصا بعدما أقدمت وكالات التصنيف العالمية الثلاث “موديز” و”فيتش” و”ستاندرد أند بورز”، على خفض التصنيف الائتماني لمصر، في ظل ارتفاع قياسي للديون السيادية وخدمة الدين. وفي أحدث خفض للتصنيف الائتماني، خفّضت موديز، تصنيف مصر من B3 إلى Caa1. والوصول الى فئة الـ (C) يعني ان البلد اقترب من خطر اعلان التوقف عن دفع ديونه (افلاس) كما حصل مع لبنان في ربيع العام 2020.
ولا شك في ان وضع المصارف في مصر يرتبط بوضع الاقتصاد المصري الذي عانى في الفترة الاخيرة من تضخّم كتلة الديون السيادية، وارتفاع كلفة خدمة هذا الدين، بحيث ان تسديد الفوائد بات يستهلك قسما كبيرا من الايرادات، الامر الذي بات يشكل نسبة مرتفعة من عجز الموازنة.

كذلك يمكن استشعار حساسية الوضع المالي والاقتصادي في مصر، من خلال اسعار الفوائد المصرفية القائمة. ويتبيّن من خلال المنتجات التي تروّج لها البنوك المصرية، تحت مسميات مختلفة، منها شهادات الادخار، ان معدل الفوائد السنوي وصل الى ما يقرب الـ20%، بما يؤشّر الى حاجة هذه المصارف الى الحفاظ على الودائع، او محاولة جذب ودائع جديدة ولو بكلفة مرتفعة جدا. ومن البديهي ان وصول اسعار فوائد الايداع الى هذه المستويات، يعني ان تمويل الاقتصاد المنتج صار شبه مستحيل، لأن كلفة الاقتراض ستكون مرتفعة جدا، بحيث تنعدم الجدوى الاقتصادية من اي مشروع استثماري جديد، او حتى توسعة مشروعٍ قائم.

في الاستنتاج المنطقي، ستكون مصارف المنطقة الخليجية في منأى عن مخاطر جسيمة في ما خصّ تداعيات استمرار الحرب في غزة، في حين ان العين ستكون على مصارف مصر اولا، ومصارف الاردن ثانيا، لمراقبة التأثيرات، وكيفية تعاطي هذا القطاع مع الضغوطات المستمرة، والتي قد تتصاعد مع مرور الوقت.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً