بالرغم من الازمات التي يعيشها لبنان لاسيما بعد حرب غزة ، وتراجع الاهتمامات الاقتصادية والسياسية بقي موضوع قائد الجيش الشغل الشاغل للمسؤولين السياسيين ولعدد من المرجعيات الدينية والبحث عن حلول لتفادي الفراغ بعد احالة قائد الجيش الحالي العماد جوزف عون الى التقاعد لبلوغه السن القانونية في 10-1-2024 ، وتطرح في هذا المجال عدة خيارات تتراوح ما بين تعيين قائد جديد او تمديد ولاية القائد الحالي او تأجيل تسريحه او تكليف الاعلى رتبة او تكليف ضابط اخر ، ولكل خيار مؤيدون ومعارضون كما له مسارات قد تكون مخالفة او متوافقة مع الدستور والقانون .
تعيين قائد الجيش
وفقا لقانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 102 تاريخ 16-9-1983 وتعديلاته ، “يعين قائد الجيش بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني من بين الضباط العامين المجازين بالاركان الذين لم يسبق ان وضعوا في الاحتياط ، يحمل قائد الجيش رتبة عماد ويسمى العماد قائد الجيش ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع الوطني ” .وتجدر الاشارة ان قادة الاجهزة الامنية الاخرى ( المدير العام لقوى الامن الداخلي – المدير العام للامن العام – المدير العام لامن الدولة ) يحملون رتبة لواء وهي الرتبة التي كان يحملها ايضا قائد الجيش حتى 7-7-1967 واول من حمل رتبة العماد كان قائد الجيش اميل بستاني.
ويستفاد من نص القانون ان وزير الدفاع الوطني هو الذي يقترح تعيين قائد الجيش وتوقيعه على مرسوم التعيين اساسي ومن صلب المرسوم ، هذا من جهة ومن جهة اخرى يدور نظرا” للوضع الحالي نقاش سياسي –قانوني حول حق حكومة تصريف الاعمال تعيين قائد للجيش في ظل شغور رئاسة الجمهورية ،اي ان الحكومة تفرض على رئيس الجمهورية المقبل ،وهو وفقا للمادة 49 من الدستورالقائد الاعلى للقوات المسلحة ، قائدا للجيش قد لايكون موافقا عليه،حتى لو وقع جميع الوزراء ال 24 على مرسوم التعيين ، لذا فان الاتجاه الاكبر هو الى عدم قيام الحكومية الحالية بتعيين قائد جديد للجيش كي لاتقع في مخالفة للقانون ولعدم الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل .
تمديد ولاية قائد الجيش
تنتهي ولاية قائد الجيش في حالتين ، الحالة الاولى وهي بلوغه السن القانونية المحددة ب 60 عاما، والحالة الثانية وهي بلوغ خدماته الفعلية في الجيش 44 عاما
ولكن يمكن تمديد ولاية قائد الجيش عند بلوغه السن القانونية او بلوغ خدماته الفعلية 44 عاما من خلال اقرار مجلس النواب قانون تعديل المادة 56 من قانون الدفاع الوطني ، وهذا التمديد قد يكون لاشهر او سنة او اكثر . وحصلت سابقة في الماضي عندما اقر القانون الرقم 463 تاريخ 8 -12-1995 ،وجاء في التعديل”يعدل لمرة واحدة فقط سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد بحيث يصبح 63 عاما بدلا من 60 عاما ، تطبق هذه الاحكام على الضباط في الخدمة الفعلية الذين يحملون رتبة عماد بتاريخ صدور هذا القانون “.وكي لايكون قانون التمديد المذكور عرضة للطعن كونه جاء لمصلحة شخص واحد محدد ما يخالف مبدأ شمولية التشريع تضمن القانون ايضا تمديد تعيين الموظفين الفنيين في ملاك المديرية العام لرئاسة الجمهورية لمدة 3 سنوات .وبالعودة الى محاضر جلسة مجلس النواب في تشرين الثاني 1995 التي مددت لقائد الجيش حينها اميل لحود فان طلب التمديد كان بمشروع قانون اعدته الحكومة وارسلته الى مجلس النواب بموجب المرسوم الرقم 7531 تاريخ 28-تشرين الثاني 1995 ، وجاء في الاسباب الموجبة لطلب التمديد
“….حيث ان المصلحة الوطنية العليا تقتضي الاخذ بعين الاعتبار دقة المرحلة على الصعيد الاقليمي وضرورة الاستمرار في تدعيم ركائز الدولة لمواجهة التحديات المستقبلية … وحيث ان القيادة اثبتت نجاحها ما يؤهلها للاستمرار في مواجهة اعباء المستقبل جاء طلب التمديد”.وقد اعترض الرئيس عمر كرامي على التمديد قائلا:”في الدولة كفاءات عديدة لماذا نفعل دائما على قياس اشخاص معينين ؟ لماذا لانفسح في المجال امام الجميع؟في الدولة كفاءات حرام ان يحالوا الى التقاعد فاما ان نفتحها للجميع او نسكرها على الجميع “.ومن المعروف حينها ان تمديد الولاية للعماد اميل لحود كي يبقى قائدا للجيش لينتخب لاحقا رئيسا للجمهورية( وهذا ما حصل ) بعدما سبق وتم تمديد ولاية الرئيس الياس الهرواي 3 سنوات .
في الوضع الحالي يمكن تمديد ولاية قائد الجيش ولكن يفترض ان يشمل التمديد اشخاص اخرين كما حصل في العام 1995 كي لايكون القانون عرضة للطعن والابطال امام المجلس الدستوري .
تأجيل التسريح
وفقا لنص المادة 55 من قانون الدفاع الوطني يؤجل تسريح المتطوع ( جندي او رتيب او ضابط) ولو بلغ السن القانونية في الحالات التالية :
- اذا كان في وضع اعتلال ( مرض ) صحي لم يبت به ، وفي هذه الحالة يبقى بصفته السابقة حتى صدور مقررات اللجنة الصحية .
- بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب او اعلان حالة الطوارىء او اثناء تكليف الجيش بالمحافظة على الامن ، اي يمكن تاجيل تسريح اي عسكري او ضابط وليس قائد الجيش الذي لايمكنه ان يقترح لنفسه ويطلب تأجيل تسريحه لأن بهذا الاجراء مخالفة قانونية للقاعدة ” جلب المنفعة الشخصية “.، ولكن تم في السابق تجاوز هذه المسالة الاساسية والاستناد الى النص نفسة لتمديد ولاية قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ( وكان لهذا التأجيل من التسريح ايضا ارتباطات بقيادة الجيش نفسها لقطع الطريق على تعيين ضابط اخر وايضا بانتخابات رئاسة الجمهورية) الذي كان سيحال الى التقاعد في 23 ايلول 2013 لبلوغه السن القانونية ولكن وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال حينها فايز غصن اصدر قراراه الرقم 852 /ود بتاجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الاركان ( اللواء وليد السلمان ) لمدة سنتين اعتبارا من 23 -9-2013 ولغاية 22 -9-2015 ، ومن بعده اصدرخلفه وزير الدفاع سمير مقبل قرارا بتاجيل التسريح لمدة سنة واحدة حتى 30 9-2016 ، من ثم قرارا ثانيا بتاجيل التسريح لمدة سنة ايضا حتى 30-9-2017.
وبعد صدور القرار الاول للوزير مقبل بتاجيل التسريح ، تقدم العميد الركن حميد سليمان اسكندر في 29-9-2015 بطعن بهذا القرار امام مجلس شورى الدولة وجاء في طلب الطعن ” انه ضابط ماروني ، وانه عميد ركن اي يحق له ان يعين قائدا للجيش وتمديد ولاية قائد الجيش “يطفيء شعلة الامل لديه” بان يكون مرشحا لتولي قيادة الجيش خاصة وانه تولد في 1-7-1958 اي يحال الى التقاعد قبل انتهاء فترة التمديد وهو بالتالي متضرر من القرار المذكور ، وقد اصدر مجلس شورى قراره بابطال قرار تاجيل التسريح لمخالفته المواد 4 و55 و56 من قانون الدفاع الوطني، ولكنه جاء قرارا متاخرا اذ صدر في 8-11-2018 اي بعد احالة العماد قهوجي الى التقاعد وتعيين قائد جديد للجيش ولكن تبقى للقرار قيمته القانونية خاصة وان حالة تاجيل التسريح السابقة تعاد لتطرح اليوم بقوة حتى لو رفض وزير الدفاع القيام بذلك على ان يقوم مجلس الوزراء مقام الوزير ، وهذه مخالفة للدستور التي تعتبر توقيع الوزير اساسي وضروري.
خيارات اخرى
ومن الخيارات الاخرى المطروحة لتفادي الشغور تطرح 4 خيارات :
الخيار الاولى : تولى الضابط الاعلى رتبة مهام القيادة ، ويعتبر البعض ان قانون الدفاع لم ينص على هذا الامر .وما طبق في الامن العام لايطبق في الجيش.
الخيار الثاني : قيام مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني بتكليف احد الضباط العامين مهام قيادة الجيش ، وهذا ايضا لم ينص عليه قانون الدفاع الوطني .
الخيار الثالث : قيام مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع بتعيين رئيس للاركان ( هذا المنصب يعود عرفا للطائفة الدرزية ) وتعيين اعضاء في المنصبين الشاغرين في المجلس العسكري ، وهذا ينسجم مع المادة 25 من قانون الدفاع التي تنص”ينوب رئيس الاركان عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامه وصلاحياته طيلة فترة غيابه .وقد حصلت في الماضي سوابق عدة اخرها عندما تولى في العام 2008 رئيس الاركان حينها اللواء شوقي المصري مهام القيادة لنحو 3 اشهر بعد شغور المنصب اثر انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية .وهنا ايضا تبرز اعتراضات بان رئيس الاركان يحل مكان قائد الجيش في حال غيابه وليس في حال شغور المنصب .
الخيار الرابع : وهو الخيار الاخطر اذ قد يقدم مجلس الوزراء على تاجيل تسريح قائد الجيش الحالي لمدة 6 اشهر او سنة ،من دون موافقة وزير الدفاع الوطني العميد موريس سليم الذي يصدر قرارا” بتكليف الضابط الاعلى رتبة مهام قيادة الجيش ما يؤدي الى انقسام كبير لايريده احدا”.
في الخلاصة لكل ماسبق فان الحل القانوني الوحيد لتفادي الشغور هو اقرار مجلس النواب لقانون تمديد سن التقاعد كما حصل مع العماد اميل لحود في العام 1995.
او حصول توافق وطني كبير على اي حل او اتفاق حتى لو شكل مخالفة للقانون والدستور .
تمديد ام تأجيل للتسريح ام تعيين رئيس للاركان او تكليف او تولى الاعلى رتبة ولكن تبقى المسألة الاساسية متى ينتخب الرئيس ال 14 للجمهورية اللبنانية ليعين القائد ال 14 للجيش اللبناني منذ الاستقلال ؟