مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

غزة بعد الهدنة: هُدنٌ أم جنون؟

اليوم الإثنين، تدخل الهدنة الإنسانية في غزة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية يومها الرابع والأخير. خلال هذه الفترة، تبادلت إسرائيل وحماس عدداً من المحتجزين الإسرائيليين مقابل ثلاثة أضعاف عددهم، من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. ثلاثة فلسطينيين مقابل إسرائيلي واحد. وهذه القاعدة ليست لأن الإسرائيلي أغلى من الفلسطيني وإنما لأن عدد الموقوفين الفلسطينيين في سجون الاحتلال هو بالآلاف. خلال الأيام المعدودة الماضية، تنفّس الشعب الفلسطيني في غزة الصعداء قليلاً، وذهب بعضه إلى تفقد أهله ومنزله، وتوجه بعضٌ ثانٍ إلى دفن ذويه: من ولد أو أب أو أم أو أخت أو قريب، فيما راح آخرون يبحثون عن ذويهم بين أنقاض البيوت والأبنية.
ثمانية وأربعون يوماً من القصف الإسرائيلي الهمجي على القطاع بالطائرات والدبابات والقذائف والرصاص، هدف من ورائها الاحتلال إلى ترويع شعب غزة ودفعه بالنار لمغادرة شمال القطاع إلى جنوبه على الأقل. فيما الهدف الأكبر بحسب أقوال مسؤولين ومعلقين إسرائيليين: «تنظيف غزة من الفلسطينيين».
المراقب لمسار الحرب الإسرائيلية على غزة، يلاحظ أن الهدنة قد فُرضت على بنيامين نتنياهو وفريقه العسكري. لسبب بسيط جداً أنه لم يستطع أن يخرج الرهائن الإسرائيليين من خلال «القضاء على حماس» كما كان يعلن. هو لطالما ردد قبل الدخول البري أنه يريد تحرير الرهائن بالقوة. القوة العسكرية الفائضة والحاقدة التي مارسها الإسرائيلي على الناس في قطاع غزة لم تحقق أهدافها العسكرية وإنما كان ضحيتها المدنيون الفلسطينيون. وبكلام موضوعي، إستطاعت حماس الصمود في تركيبتها العسكرية أولاً وفي قدرة عملياتها الفدائية ضد الجيش الإسرائيلي المقتحم لبعض مناطق القطاع خصوصاً في شماله.
وفي حقيقة الأمر، تمكنت المقاومة الفلسطينية في غزة من خداع إسرائيل في أكثر من ناحية. أولاً، إسرائيل خُدعت أساساً بعملية «طوفان الأقصى» ولم تعرف كل مخابراتها وتنصتها التقني المتقدم بالعملية إلا بعد مرور وقت ليس بقصير من بدئها. والأمر الآخر، أن إسرائيل خُدعت بالقدرة العسكرية لحماس وباقي الفصائل. ذلك أن العديد من المسؤولين ومنهم نتنياهو نفسه لطالما حُذروا من عملية لحماس ضد غلاف غزة لكنهم كانوا يستخفون بذلك. «فأسوار إسرائيل لا تهتز». لكنها خُرقت واهتزت. الأمر الثالث، الخدعة التي حصلت خلال الهدنة الأخيرة من قبل حماس. في فترة التفاوض الذي قادته قطر ومصر بين الاحتلال وحماس، حددت إسرائيل أسماء محتجزين لدى حماس، هم من جنوب غلاف غزة. وبما أن الاتفاق يمنع الطائرات الإسرائيلية من الطيران في سماء غزة خلال الهدنة، وجهت إسرائيل أقماراً اصطناعية لمحاولة كشف المنطقة المتوقعة أن يخرج منها محتجزوها من جنوب غزة. فإذا بالمحتجزين يخرجون أحياء وبكامل هندامهم ومن دون أي خدوش، من أحد أنفاق شمال غزة لا من جنوبها. هذا الشمال الذي تعرّض لأقسى الضربات طوال خمسين يوماً. الحرب خدعة، واستطاعت المقاومة خداع إسرائيل.
السؤال الذي يطرح اليوم: هل ستصعّد إسرائيل بعد الهدنة، أم أنها ستجنح إلى التهدئة؟
برأي مراقبين فإن إسرائيل ستصعّد من عدوانها «المجنون» على قطاع غزة لأسباب عدة. أهمها، أن الكيان مأزوم جداً. فهو لم يحقق شيئاً من أهدافه خلال ٥٠ يوماً وهي القضاء على حماس وإطلاق سراح أسراه بالقوة وإنشاء منطقة آمنة في شمال غزة. الأمر الآخر هو ما يتعلق بمستقبل رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو نفسه، وهو يريد استمرار الحرب لأن نهايتها تعني «نهايته» السياسية. الحكومة الإسرائيلية المتطرفة أيضاً، تريد أن تحقق إنجازاً ما، أقله اغتيال شخصية فلسطينية كبيرة ذات وزن عسكري، أو ربما سياسي. هذا لم يتحقق أيضاً.
في المقابل، فإن الفلسطينيين طبعاً من مصلحتهم إنهاء العدوان للحدّ من عدد الشهداء الذي فاق التصور بسبب وحشية الآلة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي. كما أن وقف إطلاق النار – وإن إنسانياً معناه إعطاء جرعة للمقاومة كي تعيد ترتيب أوراقها العسكرية والإنسانية على السواء. أما وقف إطلاق النار الدائم فمعناه ببساطة: إنتصار حماس.
في هذا الإطار، لطالما ردد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه «لن يكون هناك وقف إطلاق نار الآن». لكن متى سيحصل ذلك؟
الصحف الأميركية الكبيرة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز بدأت تتحدث عن ضغوط من محيط الرئيس بايدن عليه، كي يعيد التفكير بموقفه من إطلاق النار ومن الحرب على غزة. كما أن الكلام عاد يتكرر عن خلاف بين بايدن ونتنياهو خصوصاً بعد «العدد المرتفع للقتلى (الشهداء) الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية». في مسألة بايدن نفسها، تقول المصادر الموضوعية «إننا نكاد ندخل الشهر الأخير من السنة. وفي تشرين من العام المقبل ستكون الانتخابات الأميركية المصيرية. كل ما يجري الآن سيكون حتماً في ميزان نجاح بايدن من عدمه. ما يهم الأميركي هو ماذا يضع في صندوقه الانتخابي من نقاط نجاح أو نقاط ضعف». ترى المصادر أن بايدن لا يستطيع أن يطلق يد نتنياهو طويلاً. كل شيء له وقته.. ونهايته.
وفي موضوع توسع الحرب خارج غزة، وبمعنى أدق، أن تحصل مواجهة أميركية – إيرانية واسعة ترى المصادر أن بايدن «ليس جمهورياً ليذهب في هذا الاتجاه. فالديموقراطيون بطبيعتهم لا يذهبون نحو مواجهات عسكرية بل هم يفضلون الدبلوماسية المكوكية». يُحكى في هذه الأثناء عن استمرار المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين في سلطنة عمان لتحرير ٩ مليارات دولار من أموال إيران المحتجزة في الخارج. الولايات المتحدة لا تريد أن تصدّق أن تصعيد الحوثيين ضد ناقلات السفن الإسرائيلية في بحر العرب أو محاولات ضرب إيلات هو «من صنع إيران». ولا تريد اعتبار ضرب بعض المواقع الأميركية في العراق، بقرار إيراني.
إيران، من جهتها، أوفدت وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان كي يواكب جهود التهدئة. هذا ما قاله في لبنان قبل ذهابه إلى قطر التي تتولى الوساطة في ملف الرهائن وإدخال المساعدات إلى غزة.
والتصعيد في لبنان؟ كل شيء مرتبط بغزة. الهدوء هناك انعكس فوراً على جنوب لبنان. الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة العالمي، قال في منتدى المنامة قبل أيام إن الولايات المتحدة لا تريد التصعيد في المنطقة ولا توسيع الجبهات. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله موقفه معروف: «خلي عينك على الميدان وعلى غزة». جيش الاحتلال يحاول أن يستفز وأن يجرّ الحزب إلى ما يريده في «جبهة الشمال». عشية الهدنة، صعّد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان واغتال خمسة من فرقة الرضوان منهم نجل النائب محمد رعد، عباس رعد الملقب «بسراج». هذه العملية من المفترض أن يرد عليها الحزب في أول فرصة سانحة لكن يقال إن الحزب أرسل قبيل الهدنة «رسالة» عسكرية إلى إسرائيل رداً على هذا الاغتيال عبر قصف أحد المواقع الإسرائيلية بصاروخ فراغي. وهذا تطور نوعي في أسلحة الميدان.
على الإجمال، فإن المتفائلين بتحول الهدنة إلى هُدن، يتحدثون عن عدة عوامل، أهمها: صمود حماس والمقاومة والناس في غزة، ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين بشكل دراماتيكي، الضغط الدولي على الولايات المتحدة وإسرائيل (موقف إسبانيا وبلجيكا مؤخراً)، الإرادة الأميركية بأن يكون هدنة في المنطقة. هدنٌ «إنسانية» في الوقت المستقطع، قبل أن يتم الحوار في النهاية مع حماس وغيرها، لمرحلة .. «ما بعد حماس» في غزة!

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً