مايو 8, 2024

اخبار ذات صلة

تقارير تدين السلطة…والشامي مُتمسّك بـ«لازار»

اذا كان السؤال المطروح في الاوساط المتابعة هو كيف يعقل ان تبقى الدولة في موقف المتفرج على انهيار مالي واقتصادي بدأ قبل اربع سنوات، ولا يزال مستمرا، فان السؤال الآخر الذي بدأ يتردّد صداه في الاوساط المالية، سيما منها المصرفية، هو كيف يعقل ان الدولة لم تلتفت الى تقريرين محايدين صدرا عن مؤسسات دولية مرموقة، ولم تتوقف عندهما لتبني عليهما قرارات المحاسبة والمعالجة في آن.
التقرير الاول هو ذلك الذي اصدره صندوق النقد الدولي وفق المادة الرابعة من قانون الصندوق، والذي اورد فيه، بما يشبه الفضيحة، ان القطاع المالي لم تكن لديه فجوة مالية حتى العام 2017، بما يشير بوضوح الى ان الفجوة بدأت منذ اصبحت الدولة عاجزة عن الاقتراض عبر سندات الخزينة، فلجأت الى مصادرة اموال المودعين في مصرف لبنان بدءاً من العام 2018. وأكملت “النهب” والهدر بعد اعلان التوقف عن الدفع في اذار 2020، حيث كان يوجد في المركزي في حينه، حوالي 33 مليار دولار، ولم يبق اليوم اكثر من 8 مليارات.

التقرير الثاني، والذي قد يكون الأهم، هو ذلك الذي اصدرته شركة “ألفاريز اند مارسال” بناء على طلب الدولة اللبنانية، وهو تقرير مدفوع الاجر، وصدر نتيجة تدقيق جنائي قامت به الشركة على مدى شهور، بعدما سُمح لها بالولوج الى بيانات مصرف لبنان، وتوجيه الاسئلة بلا قيود. ورغم نشر تقرير التدقيق الجنائي امام الرأي العام، بعدما كانت هناك محاولات لابقائه مكتوماً لدى الحكومة، لم تتحرك اي جهة رسمية لتقييم محتوى التقرير، والقيام بما يلزم بموجب ما ورد فيه.

وفي هذا السياق، قد تكون النقطة الاخطر التي ذكرها التقرير، تلك المتعلقة بما كان يجري في مصرف لجهة اتخاذ القرارات. فقد اكد التقرير، ان القرارات كانت تتخذ بالاجماع في المجلس المركزي، حيث كان يشارك في تلك الاجتماعات مندوبون عن الحكومة، سواء مفوض الحكومة، او مدير عام وزراة المالية، وكذلك مدير عام وزارة الاقتصاد.

ويذهب التقرير أبعد من ذلك من خلال الاشارة الى وجود تفاهم ضمني بين مندوبي الحكومة وحاكمية مصرف لبنان، على اخفاء الخسائر المالية الناتجة عن سحب الدولة الاموال من المركزي، من خلال عملية تمويه في طريقة القيود المحاسبية. وهكذا كان التمويه يؤدي الى قلب الوقائع، وإظهار الميزانيات بأنها رابحة، ويتم تحويل مبلغ من هذه الارباح الى الخزانة في وزارة المالية، على اساس ان قانون النقد والتسليف ينص على ذلك.
ويشير تقرير “الفاريز” الى ان اعتماد هذه الطريقة كان يسمح بالتملّص من تنفيذ مندرجات قانون النقد والتسليف. اذ، لو لم يتم اخفاء الخسائر، لكانت الدولة مُلزمة وفق الماد 113 من هذا القانون، ان تُعيد رسملة مصرفها المركزي لسد فجوة الخسائر. كما ان اخفاء هذه الوقائع، كان يهدف الى تضليل القطاع المصرفي نفسه، لدفعه الى الاستمرار في ايداع الاموال في البنك المركزي، لضمان استمرارية تدفّق الاموال لتمويل نفقات الدولة وسد عجزها السنوي.

وهكذا تكون الدولة نفسها قد شكلت بما يُعرف بالقانون “عصابة اشرار”، لمصادرة اموال الناس في مصرفها المركزي، واخفاء هذا الامر عن الرأي العام، وعن القطاع المالي الخاص ايضا. وعندما وقعت الواقعة، تنصلت الدولة من مسؤولياتها، وتحاول ان تحيّد مصرفها المركزي من المسؤولية، من خلال اقتراحات حلول تقوم على شطب الودائع، والغاء ديونها وديون مصرف لبنان، والبدء من جديد.
وفي هذا الاطار، يبدو ان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي لا يزال متمسكاً بروحية تقرير “لازار” الذي كان يقضي بشطب الودائع وشطب كل المصارف القائمة، وانشاء خمسة مصارف جديدة. ومع ان صندوق النقد الدولي الذي كان متشددا في البداية، غيّر موقفه، واصبح متفهماً لضرورة اعادة الودائع والحفاظ على القطاع المصرفي واستمراريته من اجل ضمان اعادة الودائع وتسريع عودة التعافي الى الاقتصاد، إلا ان الشامي لا يزال على تعنّته، بما يطرح علامات استفهام عن الاهداف والنوايا. في البداية، كان الشامي يتذرّع بأن صندوق النقد لا يوافق على طروحات تحميل الدولة قسما من المسؤولية في عملية اعادة الودائع. لكن الصندوق عاد ووافق على المبدأ، وظل الشامي رافضاً، على طريقة “رضي القتيل ولم يرض القاتل”. والسؤال، ماذا يريد سعادة الشامي، وما هي اهدافه الحقيقية؟

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً