بدأت وسائل الاعلام تحضير المواد الضرورية لاجراء جردة العام 2023 في ما يتعلق بأهم التطورات والمحطات المالية والاقتصادية التي شهدها العام 2023، مع الدخول في الشهر الاخير من السنة. والواقع، ان تعداد الاحداث التي طبعت هذا العام ليست كثيرة، على اعتبار ان ما كان ينبغي انجازه لم يحصل، اي اقرار وإطلاق خطة للتعافي، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، تشكّل بداية الخروج الممنهج من الانهيار الذي غرق فيه البلد منذ اكثر من اربع سنوات.
ومع ذلك، لا بد من الاشارة الى ان الاقتصاد في 2023، استعاد بعض العافية، ولو في غياب خطة الانقاذ، اذ توقف مسار الانكماش الذي بدأ في العام 2019، واتجه الاقتصاد الى تسجيل نوع من الاستقرار للمرة الاولى منذ الانهيار. ولولا الحرب في غزة، التي بدّلت في المسار الذي كان يسلكه الاقتصاد اللبناني، لكان العام 2023 قد انتهى الى نمو، ولو متواضع (بين 0.5 و1 %)، وفق التقديرات المتاحة. ولكن الارقام تغيرت، وسوف تظهر نتائج هذا التغيّر بعد انتهاء 2023، وتحديدا بين كانون الثاني وشباط من العام 2024. لكن التقديرات، وفي حال لم تحصل مفاجآت غير سارة اضافية ربطاً بتطورات حرب غزة، تشير الى ان الاقتصاد لن يسجل نموا، كما انه قد لا يسجّل انكماشا، وهذه النتيجة تعتبر جيدة طالما انها تحققت من دون خطة للتعافي، بما يؤشر الى امكانيات متوفرة لتحقيق نمو جيد عندما يتم البدء في خطة الانقاذ.
وهذه النتيجة تعكس قدرة القطاع الخاص على التأقلم مع الاوضاع، وقد تحققت في توقّف القطاع المصرفي عن اداء دوره الطبيعي في الاقراض لتوسعة مجال الاستثمارات وتنويعها.
هذا الاستقرار هو الحدث الابرز في العام 2023، لأنه يشكّل مرتكزا لاعادة اطلاق العجلة الاقتصادية في المرحلة المقبلة. واستنادا الى هذا الواقع، بات من الممكن القول انه بمجرد ان تقوم الدولة بواجبها لجهة اعادة الانتظام الى العمل المصرفي، وحتى قبل الاتفاق مع صندوق النقد وبدء خطة التعافي، سيكون الاقتصاد اللبناني قادرا على النمو بنسب مقبولة، بحيث يصبح الاقتصاد قادرا على منح ايرادات اضافية للخزينة، تسمح بتعديل وتحسين اوضاع القطاع العام، سواء لجهة مداخيل موظفيه، او من الناحية اللوجستية التي تحتاجها مؤسسات القطاع العام، لممارسة دورها في الحركة الاقتصادية بشكل عام.
كذلك، فان صيف لبنان الذي اتسم بحركة ناشطة اعادت ذكريات حركة ما قبل الأزمة، عكس بدوره قدرة البلد على الاستقطاب عندما يتوفر الحد الأدنى من الأمن والاستقرار. وبالتالي، فان الانتقال الى مشهد الاستقرار النهائي، في حال تحقّق في المرحلة المقبلة، سيؤدي الى نشاط استثنائي يسمح بالقول ان الاقتصاد بات قادرا على إدخال كميات كبيرة من العملات الصعبة، واعادة ضخّها في الاقتصاد من خلال الجهاز المصرفي.
في موازاة هذا “الحدث”، تنبغي الاشارة الى محطة ثانية مهمة في العام 2023، تتعلق بالسياسة الجديدة التي بدأها مصرف لبنان منذ انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة في تموز الماضي. ومنذ مطلع شهر آب، أوقف البنك المركزي كل انواع الدعم او الاقراض الى الدولة. وأجرى عملية فصل قانوني بين صندوق المصرف وخزينة الدولة، على اعتبار ان سلامة كان يتبّع نهجا يصعب معه التفرقة بين اموال مصرف لبنان واموال الخزينة. هذه السياسة أراحت المودعين الذين كانوا يخشون انفاق ما تبقّى من ودائعهم في مصرف لبنان، وحثّ الدولة على تحسين الجباية ووقف مزاريب الهدر، بسبب عجزها عن مدّ يدها الى الاموال في المركزي، كما كانت تفعل في عهد سلامة.
هذا النهج الجديد، الذي أقرّه المجلس المركزي لمصرف لبنان، حظي كذلك باشادة المؤسسات الدولية المتابعة للوضع اللبناني، وفي مقدمها صندوق النقد والبنك الدولي.
ومع ذلك، هناك من يشكّك في قدرة مصرف لبنان وادارته على الصمود في هذا القرار، في حال طال الوقت قبل بدء خطة للانقاذ، تترافق حكماً مع سلة من الاصلاحات المطلوبة.
في كل الاحوال، لا توجد احداث مالية واقتصادية لافتة في 2023، ولا تزال كل الاحتمالات قائمة في المرحلة المقبلة، ربطاً بالمسار الذي ستتبعه الدولة في مقاربة ملف معالجة تداعيات الانهيار الذي وقع في العام 2019.