مايو 20, 2024

اخبار ذات صلة

كم من مونسنيور «بوهيغيز» يحتاج جنوب لبنان؟

خلال الحرب اللبنانية ولاسيما في واحد من أخطر فصولها، “حرب الجبل وذيولها، أوفد البابا الكاردينال روجيه أتشيغاراي” كممثل شخصي له إلى بلدة جزين التي وضعتها الجغرافيا على تقاطعٍ خطير للغاية، وكانت خشية من أن تمتد إليها نتائج حرب الجبل وانعكاساتها ومضاعفاتها.

أمضى الكاردينال اتشيغاراي قرابة الأسبوع في جزين، مستمعاً من أبنائها إلى أوضاعهم. عاد إلى روما ورفع تقريره إلى البابا، وفي ضوء هذا التقرير قرر رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم إرسال موفد شخصي دائم إلى جزين هو المونسنيور”سيلستينو بوهيغيز” الذي بقي في جزين من تشرين الأول 1985 حتى كانون الثاني 1990.

شكَّلت إقامة الموفد البابوي في جزين ضمانة لأهلها، ويمكن القول أن هذه الإقامة شجّعت الجزينيين على البقاء في أرضهم وعدم النزوح او الهجرة، ويمكن تصور ردة الفعل المعاكِسة لو أن جزين تُرِكَت لمصيرها.

يستذكر الجنوبيون حضور المونسنيور “بوهيغيز” بين ابناء جزين، ويسألون بحسرة: ولماذا لا يكون هناك أكثر من “مونسنيور بوهيغيز” في بلدات جنوبية وضعتها الجغرافيا في مكان خطِر، كما كانت عليه بلدة جزين منذ قرابة الأربعين عامًا؟ عين إبل ودبل ورميش والقليعة ومرجعيون ودير ميماس وبرج الملوك وكوكبا وإبل السقي، وغيرها، وهذه القرى والبلدات تحوَّلت، كما يصفها أحد ابنائها، إلى منصات لإطلاق صواريخ، تستدرج قصفاً مضاداً يوقِع خسائر بين أبناء تلك البلدات.

بكركي عبَّرت عن مبادرة، جولة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الجنوب، تأتي في محلها، ولكن حبذا لو أن المبادرة لا تقتصر على جولة ليوم، بل أن تستلهم مبادرة البابا عام 1985، فيكون في كل بلدة من هذه البلدات “مونسنيور بوهيغيز” محلي من كل المرجعيات الدينية، ما يشكِّل طمأنةً لأبنائها ورسالةً إلى جميع مَن يعنيهم الأمر أن الجنوبيين لن يتركوا أرضهم، لا إلى الداخل اللبناني، ولا إلى أي مكان في العالم.

إن بقاء الجنوبي في أرضه، وتنوّع هذا الوجود، هو أفضل رد على إسرائيل التي تواظب على تهجير الفلسطينيين،
إن دخول الحرب شهرها الثالث، اعتبارًا من اليوم، يحتم مضاعفة المسؤوليات، فماذا لو تحولت هذه الحرب إلى حرب استنزاف؟ هل يقوى أبن الجنوب على الاستنزاف وعلى الصمود في ارضه؟ إن المطلوب “خطة صمود” للبقاء في الأرض، وإلا تكون إسرائيل قد حققت أهدافها بقلعِ الجنوبيين من أرضهم، و”خطة الصمود” يفترض ألا تقتصر على بلدة واحدة أو طائفة واحدة بل ان تشمل جميع القرى والبلدات من دون استثناء، فالنسيج الإجتماعي والطائفي هو في أبهى حلله في الجنوب، ومن غير الجائز أن يتمزق هذا النسيج.

يسأل الجنوبيون عن “مونسنيور بوهيغيز” لكنهم يريدون الدولة أولًا، ليكون الشعار الوحيد المقبول
“الجنوب لاند” ، لا “فتح لاند” ولا أخيرًا “حماس لاند”. والمخضرمون يتذكرون كيف ان “فتح لاند” كانت أحد الأسباب في اشتعال الحرب اللبنانية ، ورافعو شعار “طريق القدس تمر في جونيه، أوصلتهم إلى الخروج من بيروت والوصول إلى تونس. فهل مَن يستخلص العِبَر ويُسلِّم بأن الجنوب للجنوبيين وبأن لا ديمومة سوى ل “الجنوب لاند”؟

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً