مايو 19, 2024

اخبار ذات صلة

ملف الجيش أولاً.. مطلب دولي لمنع الفوضى

منذ مجيء الموفد الفرنسي جان ايف لودريان إلى بيروت، وتركيزه على ملف قيادة الجيش، أكثر من اهتمامه بالاستحقاق الرئاسي، وصلت “الرسالة” الى المسؤولين اللبنانيين، والى القوى السياسية كافة، ومفادها ان المؤسسة العسكرية يجب ان تبقى خطاً احمر ممنوع المسّ بها. وكان لودريان واضحاً لجهة التأكيد ان ما يطلبه في موضوع الجيش، وضرورة منع الفراغ في قيادته، لا يعبّر عن موقف فرنسي فحسب، بل يعكس موقفاً موحداً للجنة الخماسية.

وفي موازاة كلام لودريان الواضح والمباشر، سبق للمسؤولين اللبنانيين ان سمعوا كلاماً في الاتجاه نفسه من دبلوماسيين غربيين وعرب. وهذا الموقف سمعه لبنان الرسمي ايضا من الاميركيين، سواء من خلال اللقاءات التي قامت بها السفيرة الاميركية في بيروت، او من خلال مواقف الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين.

لماذا هذا الاصرار على ملف قيادة الجيش، ومنحه الاولوية على بقية الملفات، ومن ضمنها رئاسة الجمهورية؟
في المعطيات، ان الدول التي تعتبر ان لديها مصالح في لبنان، وتحرص على منع انهياره بالكامل، وفي مقدمها واشنطن التي تستكمل بناء واحدة من اهم واكبر السفارات في العالم في منطقة عوكر، تعتبر ان المؤسسة العسكرية هي الضمانة الاخيرة المتبقية لمنع الانزلاق نحو فوضى غير محسوبة، لا احد يستطيع ان يضمن أين ومتى تتوقف. والأميركيون يعتبرون انهم “يتستثمرون” في الجيش منذ سنوات طويلة، سواء من خلال الدعم اللوجستي المتواصل، او من خلال برامج التدريب، او حتى من خلال الدعم المالي المباشر، والذي قدموه بعد الانهيار المالي في العام 2020، للحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الصمود بالنسبة الى عناصر وضباط المؤسسة العسكرية.
ولا شك في ان واشنطن التي كانت تعتبر مصرف لبنان ركيزة اساسية في ضمان الامن الاقتصادي والاجتماعي في البلد، تدرك خطورة ان هذه المؤسسة باتت عاجزة عن اداء هذا الدور الحيوي. وبالتالي، اصبح الجيش هو خط الدفاع الوحيد والاخير عن الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار والصمود، بانتظار تمرير هذه المرحلة الحسّاسة والانتقال الى مرحلة مختلفة.
بالاضافة الى ذلك، تدرك واشنطن ان حسم الاستحقاق الرئاسي قد يحتاج الى مزيد من الوقت، خصوصاً ان حرب غزة لا تزال محتدمة، ونتائجها الميدانية ليست واضحة بعد، بل ينبغي الانتظار اكثر لكي يتبين كيف ستكون التوازنات الاقليمية بعد انتهاء هذه الحرب.

كذلك، تتخوف واشنطن، ومعها اللجنة الخماسية، من مخاطر توسّح الصراع العسكري ليشمل لبنان، في حين ان المطلوب حماية البلد من تجرّع هذه الكأس، خصوصا ان الاضرار قد لا تكون محصورة في الخسائر المادية والبشرية، بل قد تتعداها الى مصير البلد، في حال كان الوضع متفلتاً وغير مضبوط أمنياً وسياسياً، بحيث قد تعمّ الفوضى، ويصبح الوضع مشرّعاً على احتمالات الشرذمة الداخلية.
من هنا، تجهد الدول الخمس، لاعطاء الاولوية لملف قيادة الجيش، خصوصا ان المفاوضات في المرحلة المقبلة قد تتركّز على تطبيق القرار 1701، والذي سقط عملياً في هذه المرحلة من خلال الانتشار العسكري الذي نفذه حزب الله على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، والذي اظهر عجز القوات الدولية والجيش اللبناني المولجان تطبيق القرار 1701، عن فرض تطبيقه.

وفي العلومات ان تطبيق هذا القرار الدولي سيكون النقطة المحورية في المفاوضات التي ستلي حرب غزة. ومن البديهي، ان نتائج هذه الحرب ستؤثر، بطريقة او بأخرى، على القدرة على اعادة فرض تنفيذ القرار، او التخلي عنه لمصلحة امر واقع جديد، قد يفرض التفاوض على ترتيبات مختلفة. وبما ان واشنطن متمسّكة بالقرار 1701، وكذلك العدو الاسرائيلي، من البديهي ان التركيز على حماية الجيش اليوم، يهدف الى منع الانهيار الشامل في لبنان، ويهدف في الوقت نفسه الى الحفاظ على المؤسسة التي في مقدورها ان تسهر على تنفيذ القرار في المستقبل، في حال فرضت موازين القوى بعد الحرب، تثبيت هذا القرار. ويبدو حتى الان، ان الطريق صارت مُمهّدة للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، لكن الانظار لا تزال شاخصة نحو حزب الله، لتأكيد موقفه حيال هذا الملف.
وفي النتيجة، ستتركز الجهود الدولية في الايام القليلة المقبلة على ضمان عدم حصول فراغ في المؤسسة العسكرية، بانتظار الوقت المناسب لاعادة فتح ملف الاستحقاق الرئاسي، ومنحه الزخم الضروري للوصول الى خواتيمه السعيدة.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً