al saham

اخبار ذات صلة

السياسيون يرفضون الخصخصة حفاظاً على امتيازاتهم

تُجمع المؤسسات الدولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، على أن واحداً من الأسباب الحقيقية التي تدفع الحكومات الفاسدة الى رفض كل انواع الخصخصة في البلد، يعود الى المنافع التي يحققها السياسيون والطبقة الحاكمة، جراء استخدام مؤسسات الدولة لأغراض ومنافع شخصية.

ومن خلال الملفات التي درسها صندوق النقد عبر سنوات طويلة، في دول واجهت التعثّر، وطلبت مساعدة الصندوق، تبيّن له ان حكومات هذه الدول كانت تستعمل المؤسسات العامة لتوظيف المحسوبين عليها، بما كان يؤدي عمليا الى الامور التالية:

اولا- توظيف اشخاص غير كفوئين، على اعتبار ان معيار الاختيار ليس الكفاءة، بل الولاء للسلطة السياسية التي قامت بالتوظيف.
ثانيا- تخمة في التوظيف تتجاوز الحاجة على اعتبار ان المعيار ليس ضمان التوازن المالي في المؤسسة، بل ارضاء اكبر عدد ممكن من الاتباع.
ثالثا- استخدام هؤلاء الموظفين لتمرير معاملات ومشاريع تعود بكسب غير شرعي للسياسيين.
رابعا- استشراء الفساد الذي كان يدفع ثمنه المواطن الذي يضطر ان يخضع لدفع الرشاوى، لأن الموظف يصبح مطمئناً الى وضعه، ولا يخشى المحاسبة لأن السلطة التي عيّنته تحميه.
خامسا- يصبح مستوى اداء هذه المؤسسات سيئاً، وتتعرض لخسائر مادية كبيرة، او تتراجع ايراداتها الى مستويات لا تتناسب وقدرات هذه المؤسسات الحقيقية، فيما لو كانت تُدار بطريقة شفافة، ووفق المعايير التي تُدار فيها مؤسسات القطاع الخاص.
سادسا- تستعمل السلطة السياسية خدمات هذه المؤسسات لتقديم الرشاوى لأنصارها.
هذه الحقائق تكاد تكون متشابهة الى حد الاستنساخ في كل الدول التي تحكمها سلطة فاسدة، وينتهي بها الامر الى الانهيار المالي والاقتصادي، وتطلب تدخل صندوق النقد الدولي لانقاذها.

هذا النموذج قائم في لبنان بطريقة لا تقبل الدحض. وكل المعطيات المذكورة آنفاً، موجودة في مؤسسات القطاع العام اللبناني. ولا تنقص الامثلة في هذا المجال، اذ يكفي القاء نظرة سريعة على بعض هذه المؤسسات لكي يتبيّن التطابق الكلي مع تداعيات الفساد المتعارف عليها في العالم.

على سبيل المثال، عانى اللبنانيون منذ اكثر من ثلاثة عقود من أزمة الكهرباء، التي عجزت الدولة عن تأمينها 24 ساعة، رغم الاموال الطائلة التي تمّ دفعها على القطاع. ومع ذلك، كانت كل محاولات خصخصة القطاع تحظى بالرفض، بذريعة ان السلطة تخشى ان يتحكّم القطاع الخاص بتسعيرة خدمة حيوية. لكن رفض الخصخصة كان يهدف في الواقع الى الحفاظ على الامتيازات التي كان يتمتع بها السياسيون لجهة التوظيف في المؤسسة، ولجهة الصفقات التي كانت تدرّ الملايين، بالاضافة طبعا الى استخدام التعرفة المدعومة لاسترضاء الناس، ولو على حساب المالية العامة. وانتهى الامر بالانهيار، واضطر بعدها السياسيون الى التخلي عن مسألة دعم التعرفة، وأصبحت تعرفة الطاقة حاليا غير مدعومة، والكهرباء غير مؤمّنة سوى لبضع ساعات كل 24 ساعة.

نموذج آخر فاقع يتمثل بالاستشفاء الحكومي. منذ اكثر من ثلاثة عقود يجري الحديث عن ضرورة إصدار بطاقة صحية ولكنها لم تصدر بعد، وأغلب الظن ان الطبقة السياسية لا تريدها، لأنها تستخدم الاستشفاء كوسيلة لتقديم الخدمات الى المحاسيب، بحيث ان الدخول الى اي مستشفى حكومي يحتاج الى واسطة من الزعيم.

كل النماذج الاخرى المتعلقة بمؤسسات القطاع العام، شبيهة بنموذجي الكهرباء والاستشفاء، وبالتالي، هذه هي الاسباب الحقيقية لتي تدفع القوى السياسية الى رفض مبدأ الخصخصة.
هذا الوضع يقود الى الواقع الحالي، حيث ترفض الدولة بشقيها التنفيذي والتشريعي مبدأ خصخصة ادارة المؤسسات العامة واصول الدولة، مع ان الادارة لا تعني بيع القطاع، بل تلزيم ادارته للقطاع الخاص، حيث يمكن ان ترتفع ايرادات الدولة الى مستويات غير مسبوقة. ومهما تعددت ذرائع الرفض المُعلنة، تبقى الحقيقة الدامغة ان الرفض يرتبط بالفساد، وهو قاسم مشترك بين كل الدول الفاسدة حول العالم. وردود فعل هذه الدول متشابهة، وتبريراتها متشابهة ايضا، لذلك لم تعد قابلة للتصديق او المناقشة. وهذا الوضع يعرفه صندوق النقد الدولي، وهو من اجل ذلك سبق واعلن انه يوافق على تلزيم ادارة المرفق العام الى القطاع الخاص، لكنه يرفض في المقابل، بيع اصول الدولة الى القطاع الخاص.

في الأزمة القائمة، وبما انه تبيّن ان المشكلة الاساسية تكمن في موضوع الودائع، المرتبطة بديون الدولة، لا بد من كسر حاجز الحظر، والانتقال الى عصر خصخصة ادارة القطاع العام، لأنه الطريق الاسرع والاسلم نحو معالجة ازمة الودائع، وتحسين صورة القطاع العام والدولة في الداخل والخارج.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً