لا تزال مسألة تطبيق القرار 1701 في واجهة الاهتمامات المحلية والخارجية، خصوصا بعدما تكثفت الرسائل التي تصل الى السلطات اللبنانية، والى اطراف سياسية متعددة، تحذّر في مجملها من خطورة التعاطي باستخفاف مع هذا الملف، وكأنه غير جدي، أو كأن السلطات اللبنانية تستبعده.
في المقابل، هناك من يقول ان سبب الاسترخاء اللبناني حيال هذه التحذيرات لا يرتبط بتصديق او عدم تصديق ما يُنقل من تهديدات، بل بعجز السلطة عن القيام باية خطوات عملية في هذا الاتجاه.
وتدرك السلطة التنفيذية انها ليست صاحبة الشأن في مناقشة هذا الامر، طالما ان تنفيذ اي قرار في هذا الموضوع هو في يد حزب الله حصراً. وحتى مجرد مناقشة هذا الموضوع، وبحث الاجراءات التي يمكن اتخاذها قد يثير حفيظة قيادة حزب الله في هذه الظروف، لأنه قد يُضعف المعنويات في شأن المعركة العسكرية التي يخوضها الحزب لدعم غزة. وبالتالي، لن يكون رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي متحمساً للغوص بعيداً في موضوع تطبيق القرار 1701، لأنه لا يرغب في اية دعسة ناقصة قد تؤدي الى شل حكومته نهائياً، وإخراجها من الخدمة.
وبما ان ميقاتي لا يستطيع ان يجازف بالحكومة، فانه بات يعتمد سياسة الاستماع الى الدبلوماسيين والموفدين العرب والاجانب، ويحيلهم الى وزير الخارجية عبد الله بو حبيب للمتابعة. والأخير بات متمرساً في التعامل مع هذا الملف، اذ بات يسأل اكثر مما يجيب. وفي مواجهة ما يُنقل اليه من تحذيرات اسرائيلية، ومطالبة الدولة اللبنانية بالمبادرة الى تنفيذ القرار 1701، يكرّر بو حبيب السؤال نفسه: هل تنفّذ اسرائيل ما تطالب به اليوم لبنان، اي تطبيق القرار 1701؟ وهل لبنان من يخرق القرار ام اسرائيل التي لم تنفذ هذا القرار ولا حتى ليوم واحد منذ صدوره؟
ويستتبع بوحبيب الاسئلة بسرد توصيف مفصّل يتحدث فيه عن الخروقات الاسرائيلية اليومية من خلال خرق الاجواء اللبنانية من قبل الطيران الحربي الاسرائيلي، سواء في رحلات استطلاعية في لبنان، او لاستخدام الاجواء اللبنانية في قصف اهداف في سوريا. وبالتالي، يستنتج بو حبيب امام الموفدين ان اسرائيل وليس لبنان من يخرق القرار 1701.
في الموازاة، لا يبدو حزب الله مستعدا حتى الان لمناقشة هذا الموضوع بجدية، لأن قيادته لا تزال تتعاطى مع هذا الملف على اساس انه يدخل في اطار الحرب النفسية التي تشنّها اسرائيل في محاولة لتحييد حزب الله عن المشاركة في تقديم الدعم لغزة، من دون ان يعني ذلك ان قيادة الحزب لا تناقش بجدية احتمال ان تشن اسرائيل عدوانا على لبنان بذريعة عدم تطبيق القرار 1701. كما ان قيادة الحزب، التي تدرك ان العدو الاسرائيلي لا تنقصه ذريعة، اذا ما قرر الاعتداء على لبنان، تعتبر في الوقت نفسه ان الضربات العسكرية التي يوجهها الحزب للجيش الاسرائيلي موجعة، وتكبده خسائر لا يُستهان بها. كما ان العدو الاسرائيلي يدرك حجم الدمار الذي سيواجه اسرائيل في حال اندلعت الحرب، وسمح لنفسه بأن يقصف لبنان على غرار القصف الوحشي الذي يمارسه ضد غزة، وبالتالي، التهديدات التي تطلقها اسرائيل قد تدخل ضمن الحرب النفسية التي تحاول من خلالها الضغط والظهور في مظهر القوي القادر على فرض شروطه، خصوصاً ان النتائج العسكرية في غزة ليست بمستوى الآمال التي كان تعقدها حكومة العدو على جيشها.
ومع ذلك، لا بدّ ان حزب الله يأخذ في الاعتبار هذه التهديدات ولا يتعاطى معها بخفة، بل يتعمّق في درس خلفياتها، لاتخاذ المواقف والاحتياطات الضرورية. وقد بدأ بعض الموفدين الغربيين يقدمون اقتراحات عملانية في هذا الشأن، من ضمنها تشكيل لواء خاص في الجيش اللبناني تكون مهمته تولي مهمة تنفيذ الـ1701. لكن كل هذا الكلام يبدو سابقاً لاوانه طالما ان حزب الله لم يقل كلمته بعد، وطالما ان التطورات العسكرية في غزة لم تتوضّح بدورها، وطالما ان الضغط على الحكومة الاسرائيلية ترتفع وتيرته، في الداخل الاسرائيلي وحول العالم، بما قد يدفع واشنطن الى ضغط اضافي بهدف حصول تغيير حكومي قد يساهم في تغيير الوضع برمته.
بالانتظار، سيبقى الوضع في لبنان في وضعية القلق والترقّب، خصوصا ان سياسة الهروب الى الامام قد لا تكون بعيدة عن أذهان حكومة العدو، كلما زادت احتمالات الفشل في غزة.