تجمع المواقف والتحليلات على ان المشهد الاقليمي ما بعد حرب غزة لن يكون كما قبلها، وان تغييرات جذرية ستطرأ وستفرض ايقاعها على كل دول المنطقة.
هذه التغييرات التي يتفق عليها الجميع تقريبا، تختلف اتجاهاتها وتتضارب بين نظريتين:
النظرية الاولى تقول ان العدو الاسرائيلي سوف يكسب الحرب وفق معيار النجاح في انهاء سيطرة “حماس” على قطاع غزة، والقضاء على الجهاز العسكري للحركة. وبالتالي، سيفرض حلاً يناسبه، قد يصل الى حدّ ابقاء غزة تحت سيطرة الاحتلال بالكامل، وبالتالي، ادارة شؤون القطاع بكل جوانبها بما فيها الجانب الأمني. ويذهب البعض الى الاعتقاد ان الامر قد ينتهي الى تنفيذ مخطط اسرائيلي قديم يقضي بتهجير ابناء غزة الى مصر، وإفراغ القطاع من ابنائه لتسهيل هضمه من قبل الاحتلال.
النظرية الثانية تتحدث عن نتائج شبيهة بالتي انتهت اليها الحرب الاسرائيلية على لبنان وحزب الله في العام 2006، حيث لم تنجح حكومة العدو في تنفيذ اهدافها المعلنة حينذاك لجهة القضاء على حزب الله، وحلّ تنظيمه العسكري، وانتهى الامر بتسوية انتجت صدور القرار الاممي الرقم 1701، لتنظيم الوضع على الحدود الجنوبية.
بين النظريتين، من البديهي ان تختلف بشكل عميق وجذري التحليلات والتوقعات في شأن مستقبل دول المنطقة. ومن يؤمن بأن اسرائيل ستفشل في تحقيق اهدافها في القضاء على حماس، يعتبر ان النتائج ستكون شبيهة بنتائج حرب 2006، اي بتسوية ستسمح لحركة حماس بأن تخرج أقوى، وأن تحظى بدعم شعبي اضافي من قبل الفلسطينيين، لا يسمح لها بالسيطرة على غزة فحسب، بل ان نفوذها قد يمتد الى كامل اراضي الضفة الغربية، حيث قد تكون قادرة على فرض سيطرتها هناك ايضا، وإنهاء حكم السلطة الفلسطينية، والحلول مكانها.
في المقابل، يرى اصحاب نظرية هزيمة حماس، ان العدو الاسرائيلي سيفرض سيطرته على قطاع غزة، وسينتقل الى تطهير الضفة الغربية من اي وجود فاعل لحماس، وستصبح السلطة الفلسطينية اضعف، وسيتاح لاسرائيل ان تبقي الوضع على ما هو عليه، من دون الانتقال الى حل الدولتين.
وبين النظريتين، هناك جانب آخر يتعلق بالوضع في لبنان، خصوصا ان حزب الله شريك كامل في الحرب، وداعم اساسي لحركة حماس، في اطار الانتماء الى محور الممانعة الذي يمتد من ايران وصولاً الى العراق واليمن وسوريا ولبنان.
من يؤمن بهزيمة حماس، يعتقد ان نفوذ حزب الله في لبنان سيتقلّص نسبياً، وان النفوذ الايراني في المنطقة سيخسر احد مرتكزاته، وبالتالي، ستتأثر كل الملفات اللبنانية الداخلية بهذا الوضع، وسيصبح الحزب جاهزا للقبول بتسويات لا يقبل بها اليوم، ومنها على سبيل المثال ملف رئاسة الجمهورية. وقد تتوسّع اجواء الليونة الى ملفات اخرى، منها ترسيم الحدود البرية مع العدو الاسرائيلي، وهو الملف الذي تهتم الولايات المتحدة بانجازه في اسرع وقت ممكن. وسيعاود الموفد الاميركي اموس هوكستين مهمته التي بدأها من قبل، ولم يتمكّن من استكمالها.
في المقابل، من يراهن على انتصار حماس، يعتبر ان المشهد في لبنان سيصبح اكثر وضوحا لجهة انتماء لبنان الى محور الممانعة، وسيكون من الصعب على معارضي هذا المحور الوقوف في وجه حزب الله، في الملفات الداخلية، وفي مقدمها ملف الاستحقاق الرئاسي. وستتعاظم حظوظ المرشح سليمان فرنجية انطلاقا من هذا الواقع الجديد.
ويذهب البعض أبعد من ذلك، ويصوّب على موقع لبنان في الصراع العالمي القائم حاليا، والذي بات يقسّم العالم بين غرب وشرق. ويعتبر ان البلد ينبغي ان يعيد تموضعه تدريجياً، للانفتاح اكثر على الشرق، خصوصاً ان سياسة الامر الواقع أظهرت انه ينتمي عملياَ الى محور الشرق، طالما انه شارك في حرب غزة الى جانب محور الممانعة، وهو محور ينتمي الى الشرق من دون ادنى شك. ويسأل هؤلاء، لماذا قد تكون هناك محاذير في موضوع التعاون الاقتصادي والتجاري وحتى السياسي مع محور الشرق، طالما انه عندما تقع الأزمات الكبرى من نوع الحروب، يصطف لبنان، شاء ام أبى، في خندق محور الشرق. فهل من الطبيعي، كما يسأل هؤلاء، ان يكون لبنان شريكاً لمحور الشرق في الحروب فقط، ويتخلى عن هذه الشراكة عندما يصل الامر الى السياسة والاقتصاد؟
بين كل هذه النظريات تبقى حقيقة واحدة دامغة، وهي ان لبنان يبدو حتى الان متموضعاً في معادلة خاسر-خاسر، بصرف النظر عن النتائج التي ستنتهي اليها حرب غزة.