مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

غ.غ: غزة – غرنيكا!

وقفت الممثلة الإسبانية الشهيرة إيتزيار إيتونيو على المنصة، محاطة بشخصيات تلفّحوا بالكوفية الفلسطينية، في احتفال حاشد حصل قبل أيام وسط مدينة غرنيكا الإسبانية، الشهيرة أيضاً. الحفل خصص لدعم أهالي غزة، وكانت «بطلته» السيدة إيتونيو. تحدثت الممثلة وهي بطلة مسلسل (لا كاسا دي بابل) (La Casa de Papel) أمام الحشد الرافض للمجازر الإسرائيلية في فلسطين. فوصفت ما يحدث في غزة بحملة إبادة جماعية ترتكبها القوات الإسرائيلية. وقالت للناس المحتشدين أمامها وللعالم أجمع:«من غرنيكا، من شرعيتها المؤسفة، كونها المدينة التي شهدت أول قصف مدني عشوائي على مدار التاريخ.. من الذاكرة التاريخية لموتانا وجرحانا ودمارنا.. من غرنيكا إلى فلسطين.. من غرنيكا إلى العالم، نريد أن نقول إنه بعد الذي مررنا به، منذ القصف الأول الذي تعرضنا له حتى اليوم، لا يمكن للتاريخ أو العالم أن يتحمل دمار شعب واحد، لا ينبغي للعالم والتاريخ أن يتحملا ما يحدث في فلسطين، ويجب على العالم والتاريخ أن لا يقبلا غرنيكا جديدة».
أضافت:«من غرنيكا، تلك البلدة التي تحتل مكانة ملعونة بين كل المجازر التي شهدها تاريخ الإنسانية، ندعو إلى وضع حد للمذبحة المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، وندين بقوة وغضب أي تواطؤ في هذه الإبادة الجماعية».
وختمت كلمتها المؤثرة قائلة:«سيحمل المواطنون الفلسطينيون أصواتنا من غرنيكا أينما كانوا. قتلانا قتلاكم. بيوتكم المدمرة بيوتنا. أرضكم المحتلة هي أرضنا المحتلة، وأبناؤكم هم أبناؤنا».
شجاعة الممثلة الإسبانية، لم أجد شجاعة مثلها في العديد من بلاد العالم ومدنه، خصوصاً وأن جنسيتها الإسبانية – الأوروبية قد تؤثر عليها كمواطنة. أضف إلى ذلك فإن الضغط الذي يمكن أن يمارس عليها كونها ممثلة ربما يعرضها لشتى أنواع الضغوط من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في أوساط السينما أو حتى في منصات إنتاج المسلسلات مثل نتفليكس وغيرها. رغم ذلك، قالت كلمتها، ومشت.. بل تصورت وهي تعتمر الكوفية الفلسطينية.
وإيتزيار إيتونيو هي ممثلة إسبانية من مواليد إقليم الباسك شمال إسبانيا (١٨ حزيران ١٩٧٤) واشتهرت بدور محققة الشرطة «راكيل موريللو» أو «لشبونة» في المسلسل الإسباني الشهير «لا كاسا دي بابل» الذي عرضته نتفليكس.
كانت «لشبونة» تشير إلى حادثة تاريخية مهمة جداً بالنسبة للإسبان وبالنسبة لسكان الباسك خصوصاً، حينما قصفت بلدة غرنيكا في ٢٦ نيسان من العام ١٩٣٧ خلال الحرب الأهلية الإسبانية. وقام سلاح الجو الألماني وسلاح الجو الإيطالي بقصف المدينة بطلب من الجبهة القومية الإسبانية. مات نتيجة القصف عدد غير محدد من المدنيين وقدر ما بين ٨٠٠ و١٦٥٠ قتيلاً.
موقف البطلة الإسبانية لا يختلف عن موقف مدينة برشلونة التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في الدولة بعد مدريد، وهي عاصمة كاتالونيا أكبر منطقة في إسبانيا من حيث الانتاج الاقتصادي.
فقد أعلن مجلس المدينة قطع العلاقات مع إسرائيل «حتى يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة واحترام الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني». أما إسبانيا الدولة، فقد تميزت عن مثيلاتها في أوروبا.
وأكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن ما يجري في غزة «غير مقبول». وأضاف في مقابلة مع التلفزيون الإسباني الأسبوع الماضي «مع الصور التي نشاهدها والأعداد المتزايدة من الأطفال الذين يموتون، لدي شك جدي في أن (إسرائيل) تلتزم بالقانون الدولي الإنساني».
ودان سانشيز في الوقت نفسه هجمات حركة حماس وقال إن عليها أن تفرج عن جميع الرهائن دون شروط. ولكنه طالب إسرائيل «بالتحكم في أفعالها وفقا للقانون الإنساني الدولي».
وتابع «من الواضح أنه يتعين علينا أن نقترح حلاً سياسياً لإنهاء هذه الأزمة، وهذا الحل يتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية». واعتبر أنه «من مصلحة أوروبا الاعتراف بدولة فلسطينية وأن تستقر المنطقة.. لا يمكن لأوروبا أن تسمح لنفسها بأن تكون لها جبهتا حرب مفتوحة: في أوكرانيا، وأخرى في الشرق الأوسط».
هل يغير موقف إسبانيا أوروبا؟ هناك بوادر لذلك. فقد وقف رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دو كرو إلى جانب الرئيس سانشيز عند معبر رفح في مؤتمر صحافي مشترك في ٢٤ تشرين الثاني الماضي للتأكيد على ضرورة وقف النار وتأمين مساعدات إلى أهل غزة. سانشيز كرر: «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، لكن القتل العشوائي في قطاع غزة غير مقبول وما يحدث في قطاع غزة كارثة إنسانية». من ناحيته، قال رئيس وزراء بلجيكا:«يحتاج سكان غزة إلى المزيد من المساعدات الإنسانية بشكل عاجل» مضيفاً: «يجب أن يصبح وقف إطلاق النار المؤقت وقفاً دائماً».
يومها دان بنيامين نتنياهو «بشدة» تصريحات رئيسي وزراء بلجيكا وإسبانيا. وأعطى وزير الخارجية الإسرائيلي تعليماته باستدعاء سفيري إسبانيا وبلجيكا «لتوبيخهما».
البرتغال، وعلى الرغم من أنها سهلت للإسرائيليين الحصول على تأشيرات دخول إلى أراضيها بعد عملية ٧ تشرين الأول إلا أن العديد من التجمعات الشعبية حصلت في أراضيها دعماً لغزة في فلسطين. وهذا يجري على قدم وساق في معظم الدول الأوروبية. وعلى الإجمال، فإن تحرك الناس يكون مقدمة لتغيير رأي الحكومات أو على الأقل تعديله.
وراء المنصة التي وقفت عليها الممثلة الإسبانية إيتزيار إيتونيو، بدت نسخة عن جدارية الفنان الإسباني العالمي بابلو بيكاسو «غرنيكا». رسم بيكاسو لوحته مستوحياً من القصف الدموي للبلدة الإسبانية كي تبقى شاهداً على العنف الألماني والإيطالي بحق المدنيين العزل. أنهى بيكاسو اللوحة في العام ١٩٣٧ نفسه. وصارت لوحة «غرنيكا» معلماً فنياً تاريخياً يذكّر دائماً بمآسي الحروب.
يُروى أن ضابطاً ألمانياً زار يوماً بيكاسو في منزله في باريس خلال الحرب العالمية الثانية ليجد «غرنيكا» موضوعة في صالون البيت. سأل الضابطُ الفنان الإسباني:«أنت فعلت ذلك؟». ردّ بيكاسو: «بل أنت من فعلت ذلك»!
كم نحتاج اليوم إلى بيكاسو (أو شبيه له) كي يوثق بالفن الذي يدوم آلاف السنين، جرائم إسرائيل بحق المدنيين.. جرائم إسرائيل ضدّ الإنسانية.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً