ينتهي العام 2023 على المستوى السياسي، كما بدأ تقريبا، بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر الملف الأهم الذي تؤدي حالة المراوحة فيه، الى جمود وشلل يطاول كل مفترقات الحياة السياسية في البلد. ومع نهاية السنة، تكون كرسي الرئاسة فارغة منذ 14 شهرا، ولا توجد بوادر تدل على ان وضع حدّ للفراغ سيتمّ في وقت قريب.
هذا الواقع سينسحب على المشهد السياسي في العام 2024، حيث ستستمر التجاذبات في شأن الطريقة التي ينبغي أن تُدار بها السلطات، في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية. هذه التجاذبات بدأت منذ اليوم الاول لمغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا، واستمرت تتصاعد مع مرور الوقت، بحيث تبيّن في مرحلة من المراحل، ان الاستحقاق الرئاسي جامد، وان لا نية لتحريكه فعليا.
في طليعة النقاط التي ستبقى مطروحة في العام المقبل، بانتظار هبوط الوحي على الفرقاء، وانجاز الانتخابات الرئاسية، مسألة صلاحيات الحكومة، والعلاقة التي تحكم الوزراء برئيس حكومة تصريف الاعمال، والظروف التي تسمح بانعقاد اجتماعات حكومية، وكيفية اتخاذ القرارت.
هذه الاشكالية القائمة منذ 14 شهرا، شلّت نسبيا العمل الحكومي، سيما ان الخلافات بين المكونات السياسية التي تتألف منها الحكومة، ليست متوافقة على معظم القضايا المطروحة. كذلك فان النكد السياسي، وممارسة السياسة على الطريقة اللبنانية، والتي فيها الكثير من النكايات والحسابات والمصالح الشخصية، تجعل الامور اصعب، وأشدّ تعقيداً. ولا تزال مسألة التمديد لقائد الجيش، هي النموذج الابرز للعجز الحكومي. هذه المسألة كان يُفترض ان تحسمها الحكومة، لكنها عجزت عن ذلك بسبب الخلافات السياسية، وتضارب المواقف بين رئيس حكومة تصريف الاعمال، ووزير الدفاع الوطني. وقد اضطر المجلس النيابي الى التدخّل، لحسم هذا الموضوع. كذلك فان التعيينات العسكرية في المجلس العسكري، لا تزال تشكل بدورها ازمة ترتبط بالصراعات السياسية، وبصلاحيات حكومة تصريف الاعمال التي تبدو بتراء، وغير قادرة على تسيير امور البلد في هذه الظروف الصعبة.
في الموازاة، قد لا تكون اوضاع المجلس النيابي افضل بكثير من الاوضاع الحكومية. ومع ان رئيس المجلس نبيه بري، يصرّ على ان دور المجلس التشريعي مستمر، سواء بوجود رئيس للجمهورية، ام في ظل الفراغ الرئاسي، الا ان هذا الاصرار لا يعني ان المجلس قادر فعلاً على ممارسة دوره الطبيعي في التشريع، وسنّ القوانين. واذا كانت تجربة التمديد لقائد الجيش قد أثبتت العجز الحكومي، فان القضية نفسها، أثبتت ايضا، ان عمل المجلس التشريعي سيكون غبّ الطلب، ولن يتمكن بري من تطبيع التشريع في ظل استمرار الفراغ الرئاسي. صحيح ان رئيس المجلس استفاد من مسألة التمديد، وتوافُق قوى سياسية عليها لكي يعقد جلسات تشريعية يمرّر خلالها القوانين، لكن الصحيح ايضا، ان القوة المسيحية التي يمثلها حزب القوات اللبنانية، اتخذ موقف المتفرّج في خلال جلسات التشريع تلك، ولم يشارك لا من قريب او بعيد بأية نقاشات تتناول القوانين المطروحة، بما فيها قوانين كان قد تقدم بها نواب في كتلة القوات، في اشارة واضحة الى ان موقف الحزب من مسألة التشريع لا يزال على حاله، وان وجود نواب كتلته في المجلس، هو من اجل هدف وحيد يتمثل بتمرير قانون التمديد لقائد الجيش.
هذا الموقف يشير بوضوح الى ان اشكالية التشريع ستبقى مطروحة، سيما ان الكتلة المسيحية الثانية التي يمثلها التيار الوطني الحر، تتخذ الموقف نفسه حيال التشريع في المجلس، وتعتمد مبدأ تشريع الضرورة ليس إلا. وفي هذا السياق، تحتفظ القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لنفسيهما بحرية تقدير ما هي القضايا التي يمكن تصنيفها في خانة الضرورة للمشاركة في اية جلسة تشريعية قد يدعو اليها الرئيس بري.
وبذلك، سيبدأ العام 2024 مع الاشكاليات السياسية نفسها التي كانت قائمة طوال العام 2023، وقد تكون الفرصة الاولى المتاحة امام بري لعقد جلسة تشريعية يشارك بها نواب كتلتي القوات والتيار، ترتبط بمشروع قانون موازنة العام 2024. وستكون جلسات الموازنة، في حال تمّ انجازها بالكامل من قبل اللجان، واحالتها الى الهيئة العامة، مناسبة نادرة للتباري النيابي في ساحة النجمة، حيث ستتحول الكلمات التي قد يلقيها النواب الى مبارزة سياسية لن تغيب عنها القضية المركزية في المشهد السياسي، وهي قضية الفراغ الرئاسي، وضرورة اعطاء الاولوية لملء الفراغ في قصر بعبدا.