عند مدخل صور من ناحية الآثار، وضع عباس رحمة «أبي أحمد» بسطة صغيرة لبيع الخضار ورفع عبارة «عيتا الشعب أم العز» للدلالة على أنه نازح من بلدة عيتا الشعب.
انتظر أبو أحمد الرجل الستيني ثلاثة أشهر عل الحرب التي ضربت القرى الحدودية الجنوبية تنتهي، ويعود بعدها إلى بلدته عيتا الشعب، التي كانت تعد مركزا تجاريا رئيسا لقرى الضهرية، يارين، رميش، دبل وغيرها من القرى المحيطة بها، لسبب بسيط أن أسعار السلع في عيتا الشعب كانت أرخص بكثير من الخارج، وكانت تعج بالمحال التجارية المتنوعة على عكس باقي القرى التي تفتقد للشق التجاري داخلها.
مذ بدأ الحرب، خسرت عيتا الشعب واقعها التجاري، نزح أهالها نحو قرى صور والنبطية والعباسية وغيرها، وتحوي صورا فقط قرابة ٧ آلاف نازح من بلدة عيتا الشعب فقط، نسبة لا بأس بها من هؤلاء مزارعي تبغ، يعتاشون اليوم من ثمن الدخان الذي باعوه في خضم الحرب، والذي كان مخصصا لسداد ديون المحال المتراكة منذ عام تقريبا، هؤلاء أيضا خسروا الموسم الجديد من التبغ بفعل النزوح، ما زاد حجم المصيبة عليهم.
كان أبو أحمد يملك سوبر ماركت في عيتا الشعب، يعاش منها، ومع بداية الحرب نزح نحو صور، ما حمله معه من مال أنفقه، والقليل الذي بقي فتح به بسطة خضار «على القد» كما يقول وهو منشغل في بيع زبائنه الخضار المتنوعة الذي قرر أن يبيعها بسعر أقل من أسعار صورا.
قد يكون أبو أحمد الوحيد البائع اللبناني الذي يبيع خضارا على طرقات صور، باقي الباعة كما يقول «سوريون، يضعون عرباتهم على الأرصفة من المعشوق مدخل البص حتى صور المدينة، لا تجد لبنانيا واحدا يبيع هنا».
كسر أبو أحمد القاعدة، فالظروف الاقتصادية دفعته ليعمل لأن «كرتونة الإعاشة لا تعديل، نحن ثلاث عائلات، كيف نعيش، لم تصل بعد مساعدات الدولة ولن تصل، كيف نشتري جرة غازه أو بنزين أو طعام».
هذه الظروف دفعته ليبدأ فرصة عمله الصغيرة، وراح يبيع الخضار للناس بأقل من «٣٠ بالمئة من محال وباعة صور وتحديدا السوريين، لأننا اعتدنا على الربح القليل والبيع الكثير، فهذه قاعدة لن نتراجع عنها». ويضيف «بدل من أن أبيع ب١٠ ملايين، أبيع ب٢٥ مليونا وأربح ٥ ملايين نوفر متطلبات الحياة بها».
يحظى أبو أحمد الذي يعمل مع ابن شقيقته بانتباه الناس، بات مقصد لهم «كان يجب أن نواجه النزوح والأزمة الاقتصادية، الجلوس في المنزل وانتظار كرتونة أعاش يدمر الحياة، ونحن لم نعتد الانكسار أو الهزيمة».
يتعامل أبو أحمد مع زبائنه برحابة صدر، لا تفارق ابتسامته وجها، على الرغم من كل المعاناة، فهو يطمح أن تنتهي الحرب اليوم قبل الغد «اشتقنا لعبت وشوارعها، الدمار حل بها، معظم منازلها دمرت، حتى السوبر ماركت تضررت كثيرا خسرت ما يقارب ال١٠٠ ألف دولار بضاعة، ولكن كل شيء يعوض المهم أن نعود».
ما دفع بأبي أحمد للعمل هو رفضه أن يمد يده لأحد «ولم يقدم لنا أحد شيء، حتى الدولة نسيت أو تناست النازحين، لو كان عندناولة كانت وفرت لنا الطعام والشراب والملبس وكل شيء ولكن لا دولة، لذا قررت أن أعمل ليأعيل عائلتي».
يتمسك أبو أحمد بمقولة صغيرة «الشغل كرامة الإنسان». بدأ عدد من أبناء بلدة عيتا الشعب نقل مصالحهم بشكل جزئي إلى صور لمواجهة أزمة النزوح التي قد تطول أكثر، والعين كلها على انتهاء الحرب ليتنفس أبناء البلدة التي قدمت حتى اليوم ١٢ شهيدا الصعداء وكما يقول أبو أحمد «الحياة خارج البلدة دمار».