مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

وسيم منصوري…شيطان ام قديس؟


في الفترة التي كان فيها رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، قلّة من اللبنانيين كانوا قد سمعوا باسم النائب الاول للحاكم وسيم منصوري. وفي المرة الاولى التي بدأ فيها التداول باسم الرجل، جاءت في سياق بدء الحديث عن مصير سلامة في الحاكمية، مع اقتراب موعد نهاية ولايته في منتصف 2023. وكان هناك نقاشات وراء الكواليس، وأحياناً في العلن، حول نقطتين:
الاولى: هل سيوافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على ان يتولى منصوري الشيعي، موقع الحاكمية بدلاً من سلامة الماروني، مع ما يترتّب على ذلك من تداعيات وردود فعل على مستوى القيادات المارونية، خصوصاً في ظل الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية؟
الثانية: هل ان منصوري، وبصرف النظر عن الحسابات السياسية والطائفية، يتمتّع بالمؤهلات لكي يدير المؤسسة النقدية في ظل الظروف الصعبة القائمة؟
في النتيجة، تمّ تجاوز اشكالية البُعد الطائفي للموقع، من خلال الامر الواقع. بمعنى، ان البديل للقبول بمنصوري، كان يحتّم القبول بتعيين حاكم جديد. وهذا يعني استغياب رئيس الجمهورية، وايصال حاكم مقرّب من اطراف سياسية قد لا تكون على توافق مع الرئيس المقبل. وبين الخيارين، رضيت بكركي، ولو على مضض، بأهون الشرّين، خصوصا ان منصوري، لم يقارب موضوع خلافة سلامة بشكل منفرد، بل أحاط نفسه بنواب الحاكم الآخرين، بحيث ساد انطباع بأن القيادة ستنتقل من رجل (سلامة) الى مجلس قيادة. وهذا النهج، سمح ايضا بتجاوز اشكالية القدرة على ادارة الملف النقدي بعد سلامة، على اعتبار ان نواب الحاكم الآخرين يتمتعون بخبرات وقدرات تسمح لهم، اذا ما تعاونوا فيما بينهم، بقيادة السفينة.
اليوم، وبعد مرور حوالي نصف عام على تسلّم منصوري القيادة، هناك جدل في شأن تقييم ما أنجزه الرجل حتى الآن، هل نجح فعلاً حيث فشل سلامة، رغم الظروف الصعبة التي تسلّم فيها دفة القيادة، وبالتالي، اصبح بمثابة “قديس” أنقذ الوضع النقدي من الاستمرار في الانهيار. ام انه لم ينجح بقدر ما يوهم الرأي العام، وما قد يبدو اليوم انجازات قد يتحول غدا الى انهيارات اضافية، وبالتالي، ما يفعله عبارة عن عملية غش وتمويه ستضعه لاحقا في مرتبة شيطانية؟
هذه التساؤلات قائمة في الشارع وفي بعض الاوساط، استناداً الى المعطيات التي يحاول ان يقدمها كل طرف في شأن تقييمه لعمل منصوري. واذا شئنا اختصار هذه المواقف، يمكن ايراد ما يلي:
المؤمنون بانجازات منصوري، يعرضون الحقائق التالية:
اولا- نجح في ضمان استقرار نقدي انعكس ايجاباً على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.
ثانيا- أوقف عملية إقراض الدولة، ومنعها من مدّ يدها على اموال المودعين الموجودة في المركزي.
ثالثا- أنصف المودعين من خلال وقف الهيركات الذي كان قائما في التعميم 158، ومن ثم قام بتوسيعه للسماح لمودعين اضافيين بالاستفادة من مفاعيله.
رابعا- يعمل حاليا على تغيير التعميم 151 الذي كان ينصّ على سحب الاموال من الحسابات الدولارية في المصارف على سعر 15 الف ليرة، وهو يخطط لاستبداله بتعميم يسمح بالسحب بالدولار الحقيقي، ضمن سقف شهري محدّد.
خامسا- طوّر العلاقة مع وزارة المالية، للتنسيق في شأن زيادة ايرادات الخزينة، وزيادة حجم الاموال النقدية التي تتم جبايتها بالليرة لكي لا يضطر الى تكبير حجم الكتلة النقدية، (M2) ويضغط على سعر الصرف.
سادسا- عمل على تغيير نمط القيود المحاسبية في المركزي لتتماهى مع المعايير العالمية المعتمدة. وعمل على سدّ الثغرات القائمة بناء على ما ورد في التقرير الجنائي الذي اصدرته “الفاريز اند مارسال”.
سابعا- زاد حجم الاحتياطي بالدولار بحوالي مليار دولار في فترة 6 اشهر، وفق ما كشفه منصوري نفسه.
كل هذه الحقائق يقدمها المقتنعون بنجاحات منصوري كأدلة دامغة على حرفيته واخلاقياته ونجاحه حيث فشل سلامة.
في المقابل، يقدم المنتقدون معطيات مختلفة، تستند الى النقاط التالية:
اولا- ان منصوري، وعلى طريقة يتمسكن ليتمكّن، اوهم الجميع بأنه يريد قيادة جماعية للمركزي، وما ان تسلم مهامه حتى أقصى نوابه عن المشاركة في القرار، أو على الاقل أعطى الانطباع بذلك، من خلال منع اطلالاتهم على الاعلام لمخاطبة الرأي العام. وكأنه بذلك يريد ان يجيّر النجاحات لنفسه، ويحرم نوابه من حصتهم في الانجازات.
ثانيا- ان ما تمّ تقديمه لمنصوري لم يتم تقديمه لسلامة، بدليل، وقف المضاربات على الليرة، وهو قرار سياسي ما كان ليُنفّذ لولا وجود قوة سياسية قادرة على فرضه.
ثالثا- ان الاجراءات التي تبدو منصفة نسبياً للمودع قد تصبح أزمة في حدّ ذاتها، اذا استمرت من دون خطة شاملة تقرّها وتطبقها الدولة. (الحكومة والمجلس النيابي). وما يبدو اليوم نجاحاً قد يتحول الى فشل ذريع في المستقبل، اذا استمر هذا النهج منفرداً. وبالتالي، لا يجوز لمنصوري ان يحرص على الظهور في موقف مُحقّق الانجازات، من خلال شراء الوقت ليس إلا، اذ سبق ان عانى اللبنانيون من هذا النهج التدميري، ولم يدركوا مخاطره سوى بعد فوات الآوان.
رابعا- يلعب منصوري لعبة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”، فهو اعتمد معايير محاسبية تُظهر الوضع المالي لمصرف لبنان، لكنه في الوقت نفسه، وضع خسائر المركزي في خانة الخسائر المؤجلة. من جهة، برأ نفسه من خلال التذكير بالمادة 113 من قانون النقد والتسليف، ومن جهة اخرى حاول تبرئة الدولة من خلال ابتكار صيغة الخسائر المؤجّلة.
ضمن هذه الاشكاليات القائمة بهدف تقييم اداء وسيم منصوري، تبدو الصورة للبعض غير واضحة، وغير محسومة. لكن، لا بد من الاعتراف بأن الرجل نجح في فرض ايقاعه. وما فعله حتى الان، يبدو مميزاً، شرط ان تواكبه الدولة بالخطة الانقاذية الشاملة، لكي تُثمر اجراءات منصوري، وتعطي المفعول الايجابي المطلوب. وبانتظار ما ستفعله الدولة، يصعب الادعاء بأن منصوري لم ينجح، حيث فشل الآخرون.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً