لم تهدأ الغارات الإسرائيلية على قرى الجنوب طيلة هذا النهار، طائرات الإستطلاع لم تفارق أجواء المنطقة، القصف المدفعي لم يتوقف، بدا المشهد اليوم أشبه بحرب غارات مفتوحة على تدمير القرى والبلدات، بلدات تحولت مهجورة بفعل نزوح أهلها نحو قرى أكثر أماناً، غير أن الغارات المسيّرة المعادية تلاحق الناس حتى في قرى العمق الجنوبي.

أربعة شهداء وعدد من الجرحى هي حصيلة هذا النهار الدموي الجنوبي، بنت جبيل ودّعت الشهيدة سمر جميل السيد محمد التي قضت في غارة كفرا بالأمس، كانت السيدة في طريقها نحو كفرا وقت الغارة، فسقطت شهيدة، فيما جرح إبنها علي وثلاثة من رفاقه بجراح متوسطة، كلهم من مدينة بنت جبيل، التي شيعت سمر في موكب مهيب، وسط تأكيد الأهالي أنهم لن يتخلوا عن مدينتهم.

ما زالت بنت جبيل تضج بالحياة نهاراً، أكثر من ١٢٠ عائلة يواصلون صمودهم في المدينة، في وقت يفتح سوقها التجاري ولكن ليس بوتيرته المعتادة وفق ما يشير مختار بنت جبيل محمد عسيلي، الذي يؤكد «أنّ كلّ السلع الغذائية والخبز ما زال متوفراً، حتى اشتراك الكهرباء التابع للبلدية ما زال ينير المدينة ليلا رغم ما تتكبده البلدية من أعباء».
دائرة نفوس بنت جبيل هي أيضا ما زالت تعمل يومين في الإسبوع، يأتي موظفوها من القرى المحيطة لانجاز معاملات المواطنين يقول عسيلي.
كان صوت القذائف يغزو بلدة كفركلا التي خرجت لتشييع الشهيد سامح أسعد قبالة مستعمرة المطلة، كثّف العدو قصفه على محيط البلدة وبلدة العديسة المتاخمة عقارية لها، علّه يمنع اهالي كفركلا الذين توافدو من مختلف القرى التي نزحوا اليها، إلى البلدة لتشييع إبنهم الذي استشهد بالأمس داخل منزله في البلدة، دون جدوى، بل أكدوا أنهم «لن يتخلوا عن بلدتهم، وسيعودون قريباً».

تحولت كفركلا إلى خراب، حجم الدمار كبير، يصب الاسرائيلي جام حممه عليها يومياً، عشرات الغارات انهالت على البلدة التي تودع شهيدها الثامن، قضت القذائف الفسفورية على القطاع الزراعي والحيواني، دمرّته بالكامل، فهي تنفذ مخطط تدمير القطاعات الحياتية التي تزرع الناس في أرضهم، غير أن سكان البلدة يؤكدون «سنعيد بناء كل شيء حالمَا تتوقف الحرب، سنعود فور انتهاء الحرب».
في الطريق نحو الطيبة، التي هزتها الغارات الاسرائيلية أيضاً وأدت إلى سقوط شهيد، تعبر في بلدة العديسة المحاذية للحدود، تمر قرب موقع مسكاف عام، لا يبعد الموقع سوى أمتار قليلة عن الطريق، فهو يشرف على العديسة والطيبة في آن.
الطريق خال، غالبية سكان البلدة غادروها مع اشتداد المعارك، محالها مقفلة، منازلها موصدة الأبواب، عند تخوم الطيبة، تجد دكان وحيد يعمل، يفتح كلما سنحت الفرصة، سكان الطيبة بمعظمهم غادروا، وجزء منهم قرر الصمود، بالأمس ودعت البلدة المهندس محمد ذياب، وحده صوت الغارات يخيم على البلدة، زاد العدو من ضرباته على البلدة مؤخراً، صعد من وتيرة تدميره للمنازل، على غرار ما يفعله في بلدتي ميس الجبل وحولا ورب ثلاثيين.

هو مسلسل تدميري واضح ينفذه الاسرائيلي الساعي نحو حرب، أمر بات يقرأه الكل من همجية الاعتداءات التي تطال كل يوم بلدة جديدة في القرى الخلفية، أخرها الغارة المسائية على بلدة مجدل سلم وأسفرت عن سقوط شهيد وأربع جرحى.
المقاومة الإسلامية ردت على الاعتداءات على المدنيين والقرى بتنفيذها خمس عمليات طالت موقع السماقة الإسرائيلي في تلال كفرشوبا المحتلة، قوّة من الجمع الحربي الإسرائيلي في مرتفع أبو دجاج، تجمعا لجنود العدو الاسرائيلي في محيط موقع الراهب، ولعل العملية الأبرز الذي اعلن عنها الحزب هي أستهدافه قوة إسرائيلية في محيط ثكنة زرعيت، كانت تتحضر لتنفيذ عدوان داخل الأراضي اللبنانية، مما أدى إلى وقوع إصاباتٍ مؤكدة في صفوفها.
ومساء استهدفت المقاومة تجمعاً لجنود العدو في محيط مستعمرة «ايفن مناحم» وحققوا فيها اصابات مباشرة.

حتى الساعة لم تتوقف الاعتداءات الاسرائيلي، القصف المعادي يتركز في هذه الاثناء بين بلدتي يارون ومارون واطراف بلدتي راميا وعيتا الشعب، التي تتزامن مع تحليق مكثف ومتواصل للطيران التجسسي على علو منخفض جداً، فهل تهدف غارات العدو الى تحويل القرى ارضاً منكوباً أم طريقًا نحو الحرب الأوسع؟ أسئلة ستجيب عنها القادم من الأيام.