تمّ تفعيل التحركات المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، من خلال قرار اتخذته اللجنة الخماسية التي تتولى هذا الملف منذ بداياته. وعبر المواقف وحركة الزيارات والاستقبالات التي يقوم بها سفراء هذه الدول، يتضح ان هناك طبخة يجري إعدادها في الوقت الراهن تستند الى نظرية ان لبنان، لا يستطيع ان يؤجل او ينتظر انتهاء حرب غزة، وزوال مفاعيلها، لكي يعيد الانتظام السياسي الى مؤسساته الدستورية والسياسية. وان مصلحة لبنان تقضي بأن يكون لديه رئيس لكي تتمكّن الدولة من تخفيف تداعيات ما يجري في المنطقة، على الوضع الداخلي اللبناني.
استناداً الى هذا المبدأ عادت الحركة الخماسية الى الساحة، ولكنها تعثّرت نسبياً في انطلاقتها الاولى، بعدما تعذّر عقد الاجتماع الذي كان يُفترض أن يجمع رئيس المجلس النيابي مع سفراء الدول الخمس، الولايات المتحدة، فرنسا، مصر، السعودية وقطر. واستعيض عنه باجتماعين ثنائيين، ضمّ الاول السفير السعودي وليد البخاري، وضمّ الثاني السفير المصري علاء موسى. وجاء الاجتماعان ليعكسا وجود خلل في التفاهمات داخل اللجنة، ولو ان السفير المصري حاول التخفيف من اهمية ما حصل، وربطه بمسألة تنظيمية تتعلق بارتباطات مسبقة لبعض السفراء حالت دون اتمام الزيارة الخماسية الى عين التينة.
لكن اللافت في هذا الموضوع، ان مصر غيّرت من نهجها المتحفّظ، وبدأت تتصرّف على اساس ان دورها اساسي في اللجنة. هذا التغيير عكسته مواقف سفيرها الجديد، الذي بدا واضحا انه جاء الى بيروت بخطة تحرّك مختلفة عن الخطة السابقة، التي كانت تستند الى مبدأ التحفّظ والبقاء خارج الضوء، والاكتفاء بمواكبة صامتة لعمل اللجنة. وبدأت معالم هذا التغيير من خلال طبيعة التصريحات التي ادلى بها موسى عقب بعض الزيارات التي قام بها الى المسؤولين اللبنانيين، ومن خلال اطلالته الاعلامية التي اراد من خلالها التأكيد على دور مصر المتقدّم والفاعل في اللجنة.
وفي تقييم موضوعي لهذا الموقف المستجد، يُلاحظ ان السعودية وقطر كانتا تتحركان من خلال سفيريهما، ومن خلال الموفدين احيانا، بفعالية أوحت بثقل دورهما في الاستحقاق اللبناني، في حين بقيت مصر في السابق، في موقع المواكب.
اليوم، تبدّل هذا المعطى، بحيث تحاول القاهرة ان تُثبت أهمية وفعالية دورها في اللجنة، وتالياً في الاستحقاق الرئاسي. وفرضت الدبلوماسية المصرية، من خلال حركة سفيرها في بيروت نفسها كلاعب له وزنه على الساحة اللبنانية. هذا التغيير يتمّ بعناية، لمنع حصول اي إشكال مع أي من سفراء الخماسية.
وفي عودة الى ملف الاستحقاق الرئاسي، هناك اصرار من قبل الدول الخمس المعنية بالملف على متابعة الجهود لانجاز الاستحقاق. ولن يكون للاشكال البروتوكولي اي تأثير على هذه الجهود، اذ يبدو ان السفراء المعنيين سيتجازون ما حصل، والمرتبط وفق بعض المصادر، باعتراض سفراء على الطريقة التي حاول فيها السفير السعودي تنظيم اللقاء بحيث يبدو وكأنه يترأس وفدا دبلوماسيا، في حين ان المطلوب، برأي المعترضين، إظهار التضامن في اللجنة، من دون منح اي عضو فيها أحقية التقدّم على بقية السفراء.
وفي المعطيات، ان عودة الموفد الفرنسي باتت مرجّحة، وسيتحدث باسم الدول الخمس، من دون تقديم اية مقترحات خاصة باسم باريس. وهذا النهج في التعاطي مع الملف قد يستمر في المرحلة المقبلة، بحيث ان الدول اقتنعت بصعوبة إحداث خرق فردي، اذ فشلت كل المبادرات الفردية التي قدمتها كل دولة على حدة، بحيث تسود قناعة اليوم، ان تنسيق المواقف، والتوجّه بصوت واحد الى بيروت قد يساعد اكثر في تجاوز المشكلة.
طبعاً، في ظل استمرار الحرب في غزة، وبعدما كان حزب الله اعلن ان لا كلام ولا محادثات حول القرار 1701 قبل وقف النار، بما يعني ان هذا الموقف قد ينسحب ايضا على ملف الاستحقاق الرئاسي، وهذا يحتّم تركيز الجهود الخماسية على موقف الحزب. وهذا ما تفعله اللجنة، عبر تركيزها على المحادثات مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، اكثر من تركيزها على رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، على اعتبار ان بري يستطيع التحدث باسمه وباسم حزب الله. وبانتظار ما سيتمّ تقديمه من مقترحات جديدة في الملف الرئاسي، يصعب الرهان على إحداث خرقٍ ما، قبل أن تتوضّح مواقف الاطراف في الداخل، سيما منها موقف حزب الله، وطريقة تعاطيه مع الوضع في ظل تداعيات حرب غزة.