مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

خطة الحكومة للتعافي…مزيد من الانكار والهروب


مرة جديدة، تقع الحكومة في المحظور، وبدلا من إطلاق خطة للتعافي تتماهى مع الواقع، عمدت الى التسويق لخطة بطبعة جديدة، ولكن بالروحية القديمة نفسها.
الخطة التي تمّ تحديثها، والتي يُفترض ان تناقشها الحكومة في جلستها المقبلة، قبل اقرارها واحالتها الى المجلس النيابي، تنطوي على مخاطر اكبر بكثير من المخاطر التي حملتها الخطط السابقة، والتي انتهت جميعها الى المزبلة. ولعلّ المخاطر الابرز في هذه الخطة، انها ستؤدي الى النتائج التالية:
اولا- لن تتم اعادة الحد الأدنى من الاموال الى المودعين، والذي تمّ تحديده بـ100 الف دولار للودائع المؤهلة، و36 الف دولار للودائع غير المؤهلة، انطلاقا من الكلفة الاجمالية لهذا المشروع، والسيولة المتوفرة حاليا بين الاحتياطي الالزامي الموجود في مصرف لبنان، وفي المصارف. وهذا يعني ببساطة، ان عددا كبيرا من المصارف سيعجز عن تسديد المطلوب منه وفق الخطة، وسيؤدي ذلك الى افلاسه وتصفيته، واحالة التعويضات الى مؤسسة ضمان الودائع، التي ستكتفي بمنح كل مودع مبلغا متواضعا، وتحيل ما تبقّى الى حصيلة التصفية لتوزيعه على المودعين. وفي هذه الحالة، تشير التقديرات الى انه في احسن الحالات، قد يحصل المودع على 7% من وديعته، بعد انتظار طويل قد يمتد لعشر سنوات، وفق كل تجارب التصفية التي تمّت حتى اليوم.
ثانيا- سيكون البلد امام معضلة الظلم واللاعدالة في اعادة حقوق الناس. اذ، ومن خلال سقوط عدد كبير من المصارف، والأرجح غالبيتها، سيؤدّي الى حرمان شريحة كبيرة من المودعين من الحصول على الحد الأدنى الوارد في الخطة، مقابل حصول شريحة اخرى على هذا الحق. وهذا يعني التفرقة بين حقوق المودعين، بشكل نافر، وكأن الأزمة هي مجرد ازمة مصرفية، في حين انها أزمة نظامية، (systemic crisis) باعتراف الدولة نفسها بكل اركانها. ولا نزال نذكر جيدا، ان رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، اعلن بوضوح ان مسؤولية الانهيار تتحمّلها الدولة اولا، ومصرف لبنان ثانيا، والمصارف ثالثا. وهذه التراتبية في توصيف المسؤوليات، تبنتها كل الحكومات، ومن ضمنها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وفي هذه الحالة، لا يمكن اقتراح معالجات وحلول من خارج سياق هذا التوصيف والتراتبية.
ثالثا- الطريقة التي تمّت فيها معالجة وضعية صندوق استرداد الودائع، مبهمة وتوحي بما لا يقبل الشك، بأنها من باب رفع العتب ليس إلا. بمعنى أن الصندوق لن ينجح في جمع الاموال التي يحتاجها الوضع، لاستكمال تسديد الودائع التي تفوق قيمتها المئة الف دولار. ومن الواضح، ان المواطن لن يصدّق ان تمويل الصندوق سيتمّ من خلال الفائض في المالية العامة للدولة. والأدهى، ان هذا الفائض يتمّ تحديده على اساس معدل الايرادات المالية التي تتأمّن في دول اخرى. فهل يمكن التعويل على ايرادات تفوق معدل الايرادات المتعارف عليها دولياً، واستخدام هذا الفائض لتغذية صندوق الودائع؟! هذا الاسلوب في مقاربة تغذية الصندوق تعني ان الصندوق سيبقى خاوياً، ولن يعود أي فلس الى المودعين عبر هذا الصندوق، الذي سيكون بمثابة مؤسسة رسمية لدفن حقوق المودعين.
رابعا- لا يجوز الابقاء على حلقة اتصال بين وضعية المصارف في المستقبل وبين اعادة الودائع. بمعنى انه ينبغي الفصل بين عملية اعادة الودائع في حال كانت ستمتد الى سنوات لاحقة، وبين ميزانيات المصارف. هذا الفصل، يجب ان يتم فور البدء في تنفيذ اية خطة للتعافي، لأن ميزانيات المصارف يجب ان تصبح نظيفة وخالية من اية مطلوبات سابقة، لتسهيل اعادة رسملتها. اذ ان هذا الفصل، يفسح في المجال امام استقطاب مستثمرين من الخارج، يحتاجها القطاع لكي يمارس دوره الطبيعي في مرحلة التعافي. كما انه يشجع المستثمرين الحاليين على المشاركة بفعالية اكبر في اعادة الرسملة. وهذا الوضع يساهم في تنمية الاقتصاد بطريقة اسرع، بما يؤدي الى تحسين المالية العامة. ومن دون نمو اقتصاي مقبول، لا امكانية لتحسين وضع مالية الدولة التي وصلت الى الحضيض، وأدّت الى محاولة فرض ضرائب اضافية على الناس، بما يزيد من احتمالات نمو الاقتصاد الاسود على حساب الاقتصاد الشرعي.
كل هذه الملاحظات توحي بأن مشروع الحكومة الجديد سيكون بمثابة ضربة اضافية يتلقاها الاقتصاد، وسيتحمل تبعاتها المودع، والقطاع المصرفي برمته، بالاضافة الى الاقتصاد الوطني الذي قد يتراجع اكثر في السنوات المقبلة.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً