مايو 8, 2024

اخبار ذات صلة

من اتخذ قرار عودة الحريري؟ ولماذا؟


شكّل قدوم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى لبنان لاحياء ذكرى استشهاد والده رفيق الحريري، الحدث السياسي الابرز الذي تمحورت حوله التحليلات والقراءات. وكان واضحاً، ان هذه الزيارة تختلف عن الزيارة التي قام بها الحريري الى لبنان لاحياء ذكرى 14 شباط في العام الماضي، حين أنجز مجرد عبور سريع، وتصرّف في حينه، على اساس تأكيد المؤكد، وهو انه لن يعود الى ممارسة العمل السياسي في المدى المنظور.
هذه المرة كان المشهد مختلفاً. وما قيل في شأن امكانية عودته الى الحياة السياسية، لا يرتبط بسلوك الحريري خلال تواجده في بيروت فحسب، بل ايضا بالتحضيرات التي أجريت لقدومه، بما أكد بما لا يقبل الشك، ان تغييراً جذرياً طرأ على وضع الحريري، وانه بدأ يستعد للعودة الكاملة الى بيروت، والى ممارسة العمل السياسي. انصار الحريري لم يتحركوا من تلقاء أنفسهم في تحضير اجواء الزيارة، بل تلقوا تعليمات مصدرها الحريري لبث اجواء التفاؤل، وتحضير الارضية لابراز قوته الشعبية خلال تواجده في بيروت.
ولاحقا، أظهرت تصرفات الحريري بما لا يقبل الشك، ان الظروف السابقة التي دفعته الى تجميد نشاطه السياسي ومغادرة لبنان زالت مبدئياً، بحيث ان عودته باتت محسومة، وما ليس محسوماً بعد، هو التوقيت فقط.
ورغم ان الحريري نفى ان تكون للسعودية اية علاقة بقراره السابق في الانسحاب من الحياة السياسية، ومن ثم امكانية عودته عن هذا القرار، إلا ان هذا النفي لا يقنع الكثيرين، وهناك شبه قناعة جماعية بأن الانسحاب السابق، واحتمالات العودة غدا، على صلة وثيقة بالقرار السعودي.
انطلاقا من هذه القناعة، جرى التركيز في القراءات على الخلفيات التي قد تكون دفعت القيادة السعودية الى تغيير موقفها، اكثر مما ركّز المحللون على الاسباب التي قد تكون دفعت الحريري الى تغيير موقفه، والعودة عن “الاعتزال”.
واذا افترضنا ان القرار الجديد للحريري، والذي لم تتوضح معالمه بعد، مرتبط بتغيير في الموقف السعودي، فان المعطيات التي تبرّر التبديل في موقف الرياض، ترتبط بالحقائق التالية:
اولا- ان نبض الشارع السني ظل مع الحريري، ولم تنجح اية شخصية سنية اخرى في ملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب الحريري.
ثانيا- ان الوضع المتشنّج بين الرياض وطهران الذي كان سائداً في السابق، تبدّل، وصار هناك نوع من التعاون بين الطرفين.
ثالثا- ان اتجاهات ملف رئاسة الجمهورية ليس واضحا بعد، لكن التقديرات تشير الى ضرورة تأمين نوع من التوازن بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، بمعنى ألا يكون الموقعان من نصيب طرف سياسي واحد. وبالتالي، ليس مستبعدا ان يكون الحريري هو من سيمثل قوى 14 آذار، مقابل تمرير فكرة وجود رئيس للجمهورية محسوب على 8 آذار.
رابعا- في المعادلة الدولية، لا يزال الحريري من الشخصيات المقبولة اكثر من سواها على الساحة اللبنانية. كما ان علاقاته مع عواصم القرار وفي مقدمها واشنطن لا تزال جيدة.
هذه العوامل، بالاضافة الى عامل الوقت الذي ساهم في تهدئة النفوس، وتجاوز بعض الاشكالات التي قد تكون برزت في الماضي، ساهمت في “الافراج” عن القرار السعودي بالسماح بعودة الحريري الى العمل السياسي.
كما ان طريقة تعاطي الاطراف السياسية، وفي مقدمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع الحريري خلال تواجده في بيروت، تعكس مدى التقدّم الذي تم احرازه على صعيد الدور الذي قد يلعبه الحريري في المرحلة المقبلة.
وفي التقديرات، ان الحريري سيعود بالتزامن مع اقتراب موعد التسوية الشاملة في المنطقة، عقب انتهاء حرب غزة. وعودته الفعلية ستكون جزءا من الصفقة الكبرى التي سيتم عقدها، والتي قد تشمل ترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل، وانتخاب رئيس للجمهورية، وبدء مرحلة جديدة.
وفي السياق، يعتبر البعض ان كل الاطراف السياسية تبلغت او علمت، بطريقة أو بأخرى، بأن الحريري عائد الى الساحة السياسية بقوة، وسيكون له الدور البارز في القرار السياسي. وهذا ما يفسّر ايضا مسارعة كل القوى، بما فيها حزب القوات اللبنانية، الى محاولة تطبيع العلاقات مع بيت الوسط.
وبالانتظار، سيعود الحريري الى مقر اقامته الحالي في ابو ظبي، لكنه سيكون في المرحلة المقبلة على تواصل كثيف مع الداخل اللبناني، وستكون بصمته واضحة، قبل ان يتبلور الموعد الدقيق للعودة الكاملة الى لبنان.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً