تتنازع المشهد السياسي في هذه المرحلة نظريتان في شأن مصير الاستحقاق الرئاسي، وتالياً الانتظام السياسي. النظرية الاولى تفيد بأن كل القضايا الداخلية مجمّدة، وستبقى كذلك الى حين انقشاع غبار حرب غزة، حيث من المتوقع ان تفرز مجموعة من النتائج الاقليمية التي ستحدّد مسار المسائل اللبنانية في الداخل.
اصحاب هذه النظرية يدافعون عن قناعاتهم من خلال استحضار موقف حزب الله الرافض لأي نوع من انواع التفاوض حول القرار 1701، وسواه من الملفات اللبنانية، قبل وقف النار في غزة. واذا كان هذا الموقف نهائي، وهو يبدو كذلك حتى الان، فهذا يعني ان الاستحقاق الرئاسي الذي يعوّل عليه الكثيرون، سيبقى في ثلاجة الانتظار، الى ان تنتهي الحرب في غزة.
ويلاحظ اصحاب هذه النظرية ان التحركات التي قامت بها اللجنة الخماسية في الفترة الاخيرة، والتي استند اليها البعض للقول ان هناك نية لتحريك الملف الرئاسي، همدت بعدما تبين انها تدور في حلقة مفرغة. كما ان المساعي الفردية التي كانت تقوم بها دول اعضاء في هذه اللجنة، تراجعت بدورها تحت ذريعة وقف هذا النوع من الوساطات، وتوحيدها من خلال تحرّك جماعي للدول الخمس.
ويتساءل البعض ممن يؤيدون نظرية الجمود المرحلي، كيف يمكن تحريك ملف الرئاسة، اذا كانت موازين القوى لم تتوضح بعد. بمعنى، اذا انتهت حرب المنطقة، والتي يخوضها محور الممانعة من جبهات عدة، بينها اليمن ولبنان والعراق، بهزيمة اسرائيل، اي بعجزها عن تحقيق الاهداف المعلنة للحرب، عندها ستكون المعادلات مختلفة، ولن يقبل هذا المحور بأن تكون حصته متواضعة في اختيار الرئيس المقبل للبنان. والعكس صحيح، في حال تعرّض المحور لهزيمة معنوية، فانه قد يوافق على القليل لئلا يخسر اكثر.
في موازاة هذه النظرية، تقوم نظرية اخرى تؤكد ان الملف اللبناني سيكون منفصلا عن ملف حرب المنطقة ونتائجها.
ويستند هؤلاء في قراءتهم الى مؤشرات عدة، من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر، التحركات الدولية الناشطة التي تسعى الى تحييد لبنان عن الحرب الشاملة. هذه الرغبة الدولية تجلت في مجموعة تحركات من أهمها ايفاد الولايات المتحد الاميركية اموس هوكستاين، والذي لا تزال طبيعة العروض التي قدمها غامضة، وهي تتراوح بين ضمان انجاز ترسيم بري للحدود يتيح اعادة الاراضي المحتلة الى لبنان، وبين تسهيلات تشمل ضمان عودة العمل في التنقيب عن الغاز واستخراجه، خصوصا في البلوكات الجنوبية، وبين دور متميز قد يتم منحه لحزب الله في الداخل اللبناني، من خلال ملف رئاسة الجمهورية، وما يتصل به من سلّة تفاهمات لاعادة الانتظام السياسي.
وتؤكد اوساط سياسية ان مهمة هوكستاين لم تتوقف كما قد يتراءى للبعض، وان التنسيق لا ينحصر في التفاوض مع حزب الله، بل هو يمتد الى حوار اميركي ايراني، لتسهيل الوصول الى اتفاق.
في موازاة التحرك الاميركي، تواظب اللجنة الخماسية على القيام بتحركات تهدف في المقام الاول الى إظهار تمسّك الدول الخمس بعملية السعي الى انجاز الاستحقاق الرئاسي في معزل عن الصراع في المنطقة. وفي هذا السياق، تشير المعطيات الى ان الرهان على ربط الوضع الداخلي اللبناني بحرب غزة قد يؤدي الى جمود طويل قد يمتد لما بعد الانتخابات الاميركية في تشرين المقبل. وبالتالي، ليس من مصلحة لبنان البقاء بلا رئيس وبلا انتظام سياسي طوال هذه المدة.
وتؤكد الاوساط السياسية نفسها، ان ايران قد تلعب دورا مهما في تسهيل عملية الفصل، لأنها، ومن خلال مفاوضاتها غير المعلنة مع الاميركيين، تُبدي الحرص على منع تطور الحرب وتوسعها. وهي من اجل ذلك اتخذت موقفا حاسما لوقف هجمات حلفائها العراقيين على قواعد عسكرية اميركية. كما ان ردة فعلها العنيفة حيال قصف حزب الله لصفد بصواريخ دقيقة دون استئذانها، تؤكد بما لا يقبل الشك، انها تعمل على منع توسّع الحرب وتفلتها، لأنها لا ترى مصلحة لها في ذلك.
ضمن هذه المعطيات والتحليلات المتناقضة، هناك مرحلة اضافية من الانتظار لتبيان الخيط الاسود من الابيض. لكن ما هو واضح داخلياً، ان معظم الاطراف باتوا يسلمون بأن الاستحقاق الرئاسي اصبح ملفا خارجيا اكثر مما هو شأن داخلي، وبالتالي، فان تصرفات القوى السياسية بشكل عام تستند الى مبدأ مراقبة ما يجري في الاقليم، بانتظار الضوء الاخضر، الذي لم يتضح بعد موعد اشعاله.