مايو 9, 2024

اخبار ذات صلة

«شخصنة» تثبيت الليرة تُعيدنا الى المربع الاول

منذ حوالي السنة تقريباً، بدأت عملية خفض سعر صرف الدولار وصولاً الى ما يشبه التثبيت على سعر 89-90 الف ليرة. هذا الاستقرار استفاد منه اللبنانيون بشكل عام، كما ساهم في ارساء نوع من الاستقرار أعطى دفعاً للمؤسسات لكي تبني خططها بثقة اكبر. واذا كان “تثبيت” سعر العملة الوطنية كلّف في البداية حفنة من الدولارات الاحتياطية في مصرف لبنان، فان هذه التثبيت اصبح “مجانياً” في فترة من الفترات، استنادا الى ارقام الاحتياطي الالزامي. واكثر من ذلك، نجح المركزي لاحقاً في زيادة حجم الاحتياطي لديه رغم الاستمرار في نهج تثبيت سعر الصرف. فهل يمكن القول ان سياسة التثبيت المتّبعة، أصبحت ايجابية بكل المعايير، ومن دون اي سلبيات او أضرار جانبية؟
من حيث المبدأ، نجح مصرف لبنان في ارساء نوع من الاستقرار النقدي، في ظروف مضطربة وصعبة، وقبل ان تبدأ مرحلة التعافي الاقتصادي المنظّم، من خلال خطة اقتصادية شاملة يدعمها المجتمع الدولي، بعد موافقة صندوق النقد عليها. وهذا الامر يُحسب للمركزي من خلال اجراءات صارمة تمّ اتخاذها. لكن الاستمرار في تثبيت سعر الصرف، واعتباره اولوية مطلقة في المرحلة المقبلة، سواء تمّ الاتفاق على خطة انقاذ ام لا، وبصرف النظر عن الحاجات والظروف التي ستظهر مع الوقت، يطرح علامات استفهام حول الاهداف والأثمان والنتائج.
لا يزال شعار “الليرة بخير” يلاحق الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، وبات موضع انتقاد وتندُّر. لكن المشكلة لم تكن في القول ان الليرة بخير، ولو ان الليرة انهارت بشكل دراماتيكي بعد فترة قصيرة من هذا التصريح. اذ يمكن تبرير هذا الامر بأن من واجب حاكم المركزي السعي دائما الى بث مناخات ايجابية حول الوضع النقدي، وهذا جزء من وظيفته، لكن المشكلة كانت في ان سلامة اعتبر في فترة من الفترات، ان صورته الشخصية ومستقبله ومكانته متعلقة بالليرة وبثباتها. وهنا كانت تكمن الخطيئة المميتة. طبعاً، سلامة لم يكن وحده من يربط مصيره بمصير الليرة، بل ان السلطة السياسية، كانت تتصرّف على هذا الاساس ايضاً، وكانت تطالب حاكم المركزي، علناً في البيانات الوزارية، وسراً في الاجتماعات المغلقة، بالحفاظ على ثبات سعر الصرف مهما كان الثمن.
اليوم، كسب حاكم المركزي بالانابة وسيم منصوري ثقة الناس من خلال اجراءات اتخذها، في مقدمها وقف اقراض الدولة، والحفاظ على استقرار سعر الصرف. لكن اشكالية ربط صورته ومستقبله السياسي، (مشروع وزير مالية بعد انتهاء ولايته في 2025)، بالليرة سيتحوّل مع الوقت، الى حملٍ ثقيل على كتفيه، وقد يدفع الآخرون ثمن هذا الربط غير المعلن، تماما كما دفع الاقتصاد واللبنانيون فاتورة هذا الربط في عهد سلامة.
هذا لا يعني ان المطلوب اليوم اعادة الاضطراب الى سوق الصرف، والقيام بخطوات من دون الاخذ في الاعتبار الاستقرار النقدي المفيد على اكثر من صعيد، لكن ينبغي التنبّه الى خطورة شخصنة الوضع النقدي وتحويله الى مطية لتلميع الصورة، ولو على حساب المصلحة الاقتصادية ومصلحة الناس بشكل عام.
هذا الكلام لا يشكّل اتهاما بأن منصوري يتصرّف على هذا الاساس، لكنه كلام تنبيهي لا بد منه في هذه الحقبة لكي لا يقع الحاكم في الانابة بالتجربة نفسها. والمبادىء الاقتصادية والمالية معروفة، ولا يحتاج منصوري الى من يذكّره بها، اذ احياناً تقضي المصلحة بتغيير سعر الصرف نزولاً او صعوداً وفق الوضع المالي العام، ومتطلبات النمو والحاجات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، اذا كانت هناك حاجة لتغيير سعر صرف الدولار مقابل الليرة صعودا الى رقم معين، بهدف تسهيل اعادة تحريك القطاع العام، وزيادة واردات الدولة جراء هذا التحريك، واعطاء نَفَس اضافي للقطاع الخاص، بحيث يمكن تحقيق نمو اقتصادي ينعكس على الجميع، يصبح التمسّك بتثبيت سعر الصرف كأولوية في حد ذاته، نوعاً من انواع الشخصنة، ويخرج عن اطار خدمة الاقتصاد وخدمة مصالح اللبنانيين لجهة الحفاظ على قدراتهم الشرائية شبه مستقرة. واحيانا يكون تحريك سعر الصرف بمثابة وسيلة لاعادة تغيير القدرات الشرائية لشريحة معينة، للاقتراب من التوزيع العادل للاعباء بين الناس. وهذا الامر مطلوب. كما ان سعر الصرف في الاقتصاديات الحرة وسيلة دائمة لخدمة الاقتصاد، وقيام توازن بين الاستقرار الاجتماعي، ومتطلبات النمو، وإلا ما فائدة البنك المركزي اذا كان الهدف الاول والنهائي تثبيت سعر النقد بصرف النظر عن النتائج والاوضاع والتطورات؟

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً