أبريل 30, 2024

اخبار ذات صلة

اقتراحات لإعادة لبنان الى الرقابة المالية


يشعر الأميركيون بالعجز في مواجهة تداعيات ازمة الانهيار المالي في لبنان، خصوصا بعدما تحول الاقتصاد الى اقتصاد نقدي بالكامل، وخرج عن اطار اية رقابة ممكنة، لتتبّع حركة الاموال. وبعدما تبين لوزارة الخزانة ان بيروت واحدة من المحطات التي يتم استخدامها لتمويل حركة “حماس”، ارتفع منسوب القلق الاميركي حيال ما يجري في السوق المالي اللبناني الذي بات متفلتاً من كل انواع الرقابة.
هذا الوضع كانت تخشاه الادارة الاميركية منذ اليوم الاول للانهيار، وجرت محاولات متعددة في اكثر من مناسبة للضغط على الاطراف المعنية بالأزمة، للبدء في مسار اعادة تطبيع الوضع المالي، واعادة الانتظام الى السوق، لكي تعود القدرة على متابعة حركة الاموال. ومن المعروف، ان واشنطن تعلّق اهمية استثنائية في سياستها الخارجية على هذا النوع من الرقابة، بحيث تعتبر ان القدرة على تتبّع حركة الاموال، واحدة من نقاط القوة التي تضاهي احيانا عمل الاستخبارات. وهذا ما يفسّر تركيز خصوم الاميركيين في محور الشرق، على الخروج من تحت مظلة الدولار اولا، ومحاولة الاستغناء عن شبكة السويفت العالمية ثانياً، والتي مضى نصف قرن على تأسيسها واتخاذها بلجيكا كمقر رسمي. ومن المعروف ان هذه الشبكة ممر الزامي للقسم الاكبر من الحركة المالية في العالم، وهي وسيلة ناجعة لتتبّع حركة الاموال في كل أقاصي الأرض. وقلّة من الدول لا تستخدم هذه الشبكة في التحويلات المالية، من ضمنها اليوم روسيا، سوريا، اليمن، جنوب السودان…
ومع ان لبنان لا يزال يستخدم هذه الشبكة العالمية في عملياته المالية، الا ان نسبة الاستخدام تراجعت بشكل كبير. كما ان مصدر الاموال التي باتت تمر من لبنان الى الخارج، يشكل مصدر قلق للاميركيين، طالما ان التعامل بالعملة النقدية هو الطاغي. ويدرك الاميركيون ان الخروج من الاقتصاد النقدي لا يمكن ان يتم في الظروف القائمة، ولا بد من بدء تنفيذ خطة تطبيع للوضع المالي والاقتصادي لكي يعود السوق الى التعاملات المالية من خارج العمليات النقدية.
ويعتبر التعميم 165 الذي ينص على اجراء مقاصة للشيكات الدولارية في مصرف لبنان، من دون المرور في نيويورك، واحدة من المحاولات للتخفيف من الغموض في السوق النقدي، وتشجيع المؤسسات المصرفية على زيادة حجم التداول من خارج اطار النقد. لكن هذه التجربة، ورغم ان الاميركيين غضّوا النظر عنها، على امل ان تمنح الاقتصاد اللبناني بعض الدعم للصمود، في هذه المرحلة، الا انها فشلت عملياً، بسبب عدم وصولها الى ارقام مرتفعة، وبسب الحذر الذي تبديه المصارف لجهة عدم تكبير حساباتها من الدولار الفريش في مصرف لبنان. اذ يبدو ان هذه الحسابات المخصصة للمقاصة لم تنمو بما يكفي، كما كان يأمل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة.
اليوم، يريد الاميركيون ان يتم الخروج من الاقتصاد النقدي. وقد زادت قناعتهم رسوخا بعد الزيارة الاخيرة لوفد وزارة الخزانة الاميركية الى بيروت، حيث تبين لهم، ان زيادة الضغط على السوق المالي الشرعي لن يساعد في تحسين الرقابة على عمليات تبييض الاموال، بقدر ما سيساهم في تشجيع السوق غير الشرعي المتفلت من اية رقابة. طبعا، هذا لا يمنع ان الاميركيين طلبوا تشديد الاجراءات على المؤسسات الشرعية، سواء المصارف او الصرافين. لكنهم في المقابل يدركون ان مبالغ لا يُستهان بها من الاموال النقدية موجودة في المنازل، وان معرفة مصدر هذه الاموال لدى كل دخول الى الشبكة المالية الشرعية ليس سهلا.
وسبق للاميركيين ان حاولوا الضغط على المصارف في فترة من الفترات لحملها على الانخراط في الخطط التي تضعها الحكومات للخروج من الانهيار، وتطبيع الوضع المالي. لكن هذه الضغوط تراجعت، بعدما ادركت الادارة الاميركية ان السياسة التي حاول ان يتبعها صندوق النقد الدولي، لجهة مبدأ شطب الودائع لن يمر، مهما كانت الضغوط. ومن هنا، بدّلت الادارة الاميركية اسلوب تعاطيها مع أزمة الانهيار، وهي اليوم تشجع على التجاوب مع مبادرات صندوق النقد لانهاء الأزمة. ومن الواضح ان الصندوق وصل الى قناعة مشابهة للقناعات الاميركية، وبات منفتحاً اكثر على كل الافكار، من اجل الوصول الى اتفاق تمويل مع الدولة اللبنانية. وقد نشهد في المرحلة المقبلة تكثيفاً لهذه الجهود، التي باتت تضع في اولوياتها، تسريع الفصل بين اعادة الودائع على مدى سنوات، وبين تطبيع الوضع المصرفي، لكي تعود حركة الاموال الى الرقابة في اسرع وقت ممكن.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً