أحيا حزب “القوات اللبنانية” وعائلة منسق قضاء جبيل في الحزب باسكال سليمان ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده خلال قداس اقيم لراحة نفسه في كنيسة سيدة ايليج – ميفوق ترأسه النائب العام في الرهبانية اللبنانية المارونية والرئيس الفخري لجامعة الروح القدس الكسليك الأب البروفيسور جورج حبيقة، عاونه فيه رئيس دير ميفوق الاب ناجي ابي سلوم ولفيف من الاباء والكهنة وخدمته جوقة الراهبات المارونيات في دير مار يوسف جربتا والاخوة الدارسين في دير سيدة المعونات بقيادة الاخ بيار دريان، وذلك في حضور عضو تكتل الجمهورية القوية النائب زياد الحواط ممثلا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ونواب تكتل “الجمهورية القوية”، إلى جانب عدد من الفعاليات الحزبية والسياسية والأهلية وعائلة سليمان.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى حبيقة عظة تحدث فيها عن معنى الشهادة في سبيل الحرية، وقال: نتحلّقُ حول مذبحِ الربّ في سيّدة إيليج، في دير البطاركةِ الموارنة من سنة 1121 إلى 1440، وبالقربِ من مثوى الشهداءِ الذين سقطوا في ساحة الوغى دفاعاً عن رسوليّة الكِيان اللبنانيّ، عن حرّيّة اللبنانيّ، كلِّ لبنانيّ، عن سيادةِ لبنانَ وكرامتِه وطناً ودولةً وميثاقاً وصيغةً، لنُحييَ ذكرى الأربعين لشهيد لبنانَ باسكال سليمان، منسّقِ حزبِ القوّاتِ اللبنانيّة في منطقة جبيل. نجتمعُ والحزنُ يعتصرُ قلبَنا والهواجسُ تمزِّقُ عقلَنا والذهولُ ممّا حدث يستوطنُ أحاسيسَنا والتساؤلُ يعتقلُ فكرَنا في مساحاتِ القلقِ والاضطراب والتشكيكِ والرِّيبة، والإيمانُ يُهدِّىءُ روعَنا، والرجاءُ يُثلجُ فؤادَنا، وزمنُ القيامة المجيدة يبلسمُ جراحَنا النازفة ويُندّي آخاتِنا الصّارخة، نحن نتذكّرُ بسكال سليمان في هذا الموقع الطافح بالمعاني الروحيّة والوطنيّة والإنسانيّة”.
وتابع قائلاً: “في أُولى صفحات سفر التكوين في الكتاب المقدس، يطالعُنا مشهدٌ مأساوي ومروّع لبدايات البشرية: قايينُ يقتلُ شقيقَه هابيل. هل الإنسانُ مفطورٌ على العنف والقتل والتذابح والتناحر، ومُدمنٌ على إلغاء من يعتبرُه عائقا أمام طموحاته وتطلّعاته، وحائلا بينه وبين مخطّطاته؟ إن أحفادَ قايينَ حوّلوا تاريخَ البشريّةِ إلى حلقاتٍ متواصلة من قتلٍ وإلغاء وحروب تتناسلُ بعضُها من بعض إلى ما لا نهاية. في الواقع، لم يـُخطئ من قال إن الشعوبَ السعيدة لا تاريخَ لها. لان المستلقيَ في حِضن السّعادة يهنأُ بهذه الحالة الطوباويّة ولا يكتبُ شيئا. هل هناك من شعوبٍ لم تكتب تاريخَها؟ كلاّ. جميعُ الشعوب كتبت تاريخَها، وتحلُّقُنا العزائي هذا خيرُ دليل على ذلك. فإذاً جميعُ الشعوب تعيسةٌ وحزينةٌ ومُنتحِبة”.
وقال حبيقة: “وهنا نطرحُ على أنفسنا السؤالَ الذي يقضُّ مضجعَنا: لماذا الانسانُ حوّلَ الزمنَ الذي أعطاه إياه الله ليسعدَ فيه في التّحاب والتآخي والتضامن والتكامل، إلى تاريخِ فواجع؟ ألا يكفي التصدي للأمراض والأسقام، ومواجهةُ الطبيعة عندما تغضبُ وتتزلزل، وتُزبدُ وتُرغد سيولاً جارفة ومدمّرة؟ ألا يكفي كلُّ هذا لكي ننصرفَ باندفاع مسعور إلى التعدّي على ذواتنا بالقتل والحروب العبثيّة والمدمِّرة لـمُدُنِنا وحواضرنا وأوطاننا، وثقافاتنا وإرثنا وحضاراتنا؟ كيف لنا أن نُنقذَ الانسانَ من منطق العنف وإيديولوجيّة الحرب والتقاتل؟ نتغنىّ جميعاً ونتباهى أن شرقَنا مهبطٌ للوحي الإلهي، ولكن يا لَلأسف إنّه المكانُ الأمثلُ لهبوط القيم الروحيّة والإنسانيّة وملامستِها قعرَ الجحيم في ثقافة القتل والموت. إن هناك تشديدا بيّناً في تراثات الشرق الروحيّة على أن اللهَ إنّما هو في جوهره المطلق محبّةٌ ورحمة. جبروتُه الإلهيُّ يتمظهرُ حصراً في كثرة الرّحمة، وطاقة المحبّة والشّفقة والغفران. من هنا العنفُ المقدّسُ يتنافى كليا مع جوهر الله. فالعنفُ لا يمكنُ أن يكونَ مقدّسا وما هو مقدّسٌ ليس بوسعه أن يدانيَ العنف. لأن المقدّسَ لصيقٌ بجوهر الله المحبّةِ والرّحمة”.
وأكد أنّ “فاجعةَ مقتلِ باسكال سليمان إن هي إلا تغليبٌ لمنطق العنف وإلغاءِ الآخر والفكر الآخر، وإسقاطٌ مُدوٍّ لمبدأ التحاور وأخذِ الرأي والسعي إلى بلورةِ رؤىً مشتركة، بعيداً من أسلوب الشدّة والغُلظة. فلفظةُ حوار في اللّغّات الأجنبيّة تتحدّرُ من المفردة اليونانيّة dia logos الّتي تعني “من خلال الكلمة”. أي على الإنسان أن يعالجَ جميعَ شؤونِ حياته “عبر الكلمة” الّتي وحدَها تتآلفُ بشكل كامل مع جوهره الإنسانيّ ومع علاقته بربّه وباريه، فبالنسبة إلى الإنسان العلائقيّ، لا شيءَ يعلو على الكلمة أو يسمو عليها. إنّها البدايةُ والنهاية. من هنا أيُّ إسكاتٍ أو إخراسٍ للكلمة وأيُّ لجوءٍ إلى العنف إنما هو هزيمةٌ نكراء للإنسانيّة الّتي ننتمي إليها. فالشّورى والإنسانيّةُ متلازمتان لا تنفصلان”، مضيفاً: “لقد تجلّى بسكال سليمان في إتقانه للكلمة المـُحِبّة للجميع، والمحترِمة لآراء الآخرين، وفي إصغائه لطروحاتهم ومناقشتها بهدوء وسكينة وحكمة وتفهّم، إلى درجة أن خصومَه في السّياسة كانوا أصدقاءَه الحميمين. بعِشقه الروحيّ للكلمة المتجسّدة يسوعَ المسيح، تلوّنت كلماتُه وسلوكيّاتُه بألوان إنجيل السّلام، بألوان الخبرِ السّعيد. فكان تجسيدا بهيّا للمحبّةِ وروحِ الخدمة والتّفاني والشّفافيّة والصِدق والإخلاص”.
كما أشار إلى أنّ “مأساةَ قتلِ باسكال سليمان هي محاولةٌ يائسة لإلغاءِ حرّيّة الرأي والموقف، واستبدالـِها بفرض الفكر الواحد وإرساء مبدأ وحدة الشكل وإلغاء الفروقات. فالحرّيّةُ هي وحدها الّتي تجعلُ من الكائن البشري إنسانا. والحرّيّةُ تتجسّدُ في خيارات متعدّدة. لذا من يتوهّمُ أنّه بصهر الرؤى والطّروحات في بوتقة الفكر الأحاديّ والشّموليّ، وبالإكراه على تبنّي موقفٍ واحد وسياسةٍ واحدة، لن يتأخّرَ طويلا حتى يُدركَ بمرارة أن لا قيمةَ لأيّ شيءٍ إن لم يكن ممهورا بالحرّيّة غيرِ المنقوصة والاقتناع الكامل، وحيث الحرّيّةُ هناك التعدّديّة”، معتبراً أنّ “عملياتِ القتل تسعى إلى قهر الحرّيّة وترويضِها جبرا، وإلى إلغاء مبدأ التنوّع مؤكدا ان الترويعُ لن يستطيعَ إلى ذلك سبيلا، لأنه النقيضُ لمشيئة الله في مخلوقاته ومبروءاته فالتنوّعُ هو أساسُ الوجود والمجتمعات، وخارج التنوّع، موكبُ جنازة الحياة”.
من جهته، أكد النائب زياد الحواط أنّ مسؤولية متابعة النضال من دون تعب وخوف ومسؤولية متابعة المسيرة مهما كانت الصعوبات كبيرة، نلتقي اليوم لنجدّد العهد والوعد، ولكي نقول للحبيب باسكال انه ما زال حاضرا بيننا ومعنا في كل اجتماع وخطوة وكل قرار، صورته الصادقة والثابتة والحلوة لا تفارق قلبنا وعقلنا وأعيننا، فهو موجود دائما في تفكيرنا وعملنا من اجل لبنان”.
وأضاف: “باسكال باق في ذاكرتنا مثالا لكل لبناني مؤمن بوطنه حتى الشهادة، وكما قلنا في يوم وداعه نقول اليوم بأن المواجهة مستمرّة، وهي صعبة وقاسية وبحاجة الى جهد وعمل وفي بعض الاوقات بحاجة الى استشهاد ولا تكون المواجهة بالانكسار والخوف والاستسلام”، مؤكداً أنّ “المواجهة كبيرة وفي كثير من الاحيان مكلفة ومؤلمة ومبكية، مشيرا الى ان هذه الكلفة تتحملها اليوم عائلة باسكال الصغيرة والكبيرة”. وقال: “كثر يقولون لي (شو صاير عليك روق انتبه ع حالك اولادك احق وعايزينك)، فالجواب عندي واحد واضح وصريح وصادق، المواجهة مستمرة من اجل بناء وطن لاولادنا، ولكي ننتهي من شريعة الغاب واللاقانون والتسييب، لتبقى الهوية، ونخلّص الكيان من خطر الزوال، ولكي لا نبقى خائفين على اولادنا من أولاد الحرام، وأن يصبح مصير كل مجرم ومرتكب القضاء العادل والشفاف والنزيه والأهم السريع”.
كما أشار إلى أنّ “المواجهة مستمرة كي لا يصبح لبنان بلد لجوء للغُرَباء، وبلد عبور لشبابه نحو الهجرة، فلبنان من دون شبابه صحراء لا مستقبل لها”.
وقال: دستوره شهيد، موقع رئاسة الجمهورية الشاغر منذ سنة ونصف السنة شهيد، الأمن شهيد، القانون شهيد، القضاء شهيد، الاقتصاد شهيد، الانماء شهيد والأمل والحلم بالغد شهيد وهذا كله لم يحصل صدفة وفجأة بل هو نتيجة الارتهان لمشاريع خارجية مدمرة وللسلاح غير الشرعي الذي اخد لبنان واللبنانيين رهينة، واكياس رمل وغطى الفساد والمفسدين مقابل غطاء لخياراته ومشاريعه وحروبه وهو الذي شرّع الحدود لتهريب الحجر والبشر بالاتجاهين، شرّع الحدود لمليونين سوري اصبح وجودهم اليوم بركان امني جاهز للانفجار في كل لحظة وفي كل منطقة ،وهو الذي شرع الحدود لتهريب البضاعة المدعومة التي هي السبب الرئيسي للانهيار الاقتصادي، وهو الذي عطل ويعطل انتخاب رئيس للجمهورية ويفرض اعرافا مخالفة للدستور، وهو الذي غطى ويغطي حكومة تتفرّج على اكبر ازمة وجودية – سياسية ، اقتصادية ، مالية واجتماعية في عصرنا الحديث، حكومة مستقيلة عن كامل دورها ومسؤولياتها ، حكومة التنظير والمزايدات، لا خطة ولا رؤيا ولا مشروع انقاذي لديها لا في الملف السوري ولا الاقتصادي والمالي ولا بأيّ ملف”.
وتابع الحواط قائلاً: “كل الذي قام به نشر الفراغ والانهيار وتوسيع ابواب الهجرة وحجتهم متل حجة شركائهم اصحاب مقولة ” ما خلونا ” القرار ليس عندنا ولا نستطيع القيام بأي شيء عنا،وبالامس طمأننا بأن الاوروبيين سيفتحون باب الهجرة الموسمية لشبابنا وعندها تصبح الساحة اكثر واكثر للأغراب مقابل حفنة من الوعود”، مؤكداً أنّ “لبنان ليس للبيع ولا للإيجار”.