كتب غاصب المختار في الجمهورية:
قاطع المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى لقاء رؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية مع امين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، الذي دعا اليه البطريرك الماروني بشارة الراعي، لمناقشة عامة للأوضاع اللبنانية. لكن موقف المجلس الشيعي بالمقاطعة لم يكن موجّهاً لموفد قداسة البابا، بل للبطريرك الماروني، نتيجة كلامه في عظة الاحد الماضي عن المقاومة و”عملياتها الارهابية”.
لم يفلح تسريب معلومات «مصادر» من بكركي لمحطة «الجديد» بعد الاعتراض الشيعي على موقف البطريرك الراعي، من انّه لم يقصد المقاومة في لبنان ولا «حزب الله»، في تليين موقف المجلس الشيعي من حضور اللقاء مع بارولين، وجرى اتصال بين مسؤول في الصرح ومستشار لنائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب، يسأل فيه المسؤول عمّا اذا كان الشيخ علي سيحضر اللقاء، فكان الجواب بـ «لا لن يحضر بسبب موقف البطريرك»، بعدما قال في عظة الاحد: «إنّنا نفهم معنى عدم وجود رئيس للجمهوريّة: إنّه رئيس يفاوض بملء الصلاحيّات الدستوريّة، ويطالب مجلس الأمن تطبيق قراراته، لا سيما القرار 1559 المختصّ بنزع السلاح، والقرار 1680 الخاص بترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701 الذي يعني تحييد الجنوب. وبعد ذلك يُعنى هذا الرئيس بألّا يعود لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها».
وحاول المسؤول تخفيف الموضوع وتوضيح المقصد من موقف الراعي لكن من دون نتيجة، «لأنّ موقف الراعي كان واضحاً وليس ملتبساً ولا يحتمل اي تأويل او اجتهاد سلبي، وكان بإمكان اتصال هاتفي للبطريرك مع الشيخ علي الخطيب ان يزيل الالتباس ويوضح المقصد من كلامه»، حسب مصادر المجلس الشيعي.
وتضيف المصادر: «انّ موقف المجلس بالمقاطعة لم يكن موجّهاً ضدّ الفاتيكان ولا ضدّ موفده الكاردينال بارولين بل ضدّ بكركي، بعدما وصفت عمليات المقاومة «بالارهابية». وأبدى المجلس استعداد نائب رئيسه الشيخ علي الخطيب للقاء موفد البابا في اي لحظة وفي اي مكان يريده. ولو كانت المقاطعة ضدّه لما حضر الشيخ محمد شقير ممثلاً نائب رئيس المجلس حفل الاستقبال الذي تلا القداس الذي ترأسه بارولين في مناسبة اليوم الوطني «لمنظمة فرسان مالطا في لبنان» وعيد شفيعها مار يوحنا المعمدان.
صحيح انّ موقف البطريرك بشكل عام ليس بجديد حول شرعية السلاح وحول تطبيق القرارات الدولية وحياد لبنان، وهو لم يكن سابقاً يثير اي مشكل مع الطرف الشيعي، بل جرت اتصالات بين الطرفين ولقاءات كثيرة في بكركي للبطريرك الراعي مع موفدين لـ»حزب الله»، وزار الشيخ علي الخطيب بكركي اكثر من مرّة، لكن تعبير «أن لا يعود لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها» هو ما أثار الاستياء، فكانت ردود واضحة من مرجعيات الشيعة على كل مستوياتها، وآخرها امس موقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان في ندائه إلى الكاردينال بارولين، والذي استخدم فيه ايضاً عبارات واضحة لا تحتمل أي التباس او تأويل او اجتهاد سلبي. ومما قاله: «انّ بعض الرؤساء الروحيين يرون ما تقوم به المقاومة إرهاباً ممقوتاً لا بدّ من ردعه ومنعه، ولا يفتأ هذا الصوت يطالب بتطبيق قرارات دولية عملياً تُلزِم لبنان دون إسرائيل بقرارات أممية مطبوخة بسم الظروف. ونرفض توظيف الكنيسة بمواقف تخدم الإرهاب الصهيوني والإجرام العالمي».
المهمّ انّ «المشكل وقع» ولا بدّ من البحث عن طريقة لإعادة التواصل، لا سيما وإنّ المرجعيتين مؤثرتان في الحياة العامة والسياسية للبلاد، وأي قطيعة بينمها تؤثر على أي قرار مصيري يمكن ان يُتّخذ على المستوى الوطني، لا سيما انتخاب رئيس للجمهورية». وهنا ترى مصادر المجلس الشيعي «أنّ كلام البطريرك عن رئيس للجمهورية يُعنى بألّا يعود لبنان في عهده منطلقاً لعمليات ارهابية، سيزيد أزمة الاستحقاق الرئاسي تعقيداً ولا يُسهّلها، ويزيد الموقف الشيعي تصلباً بعدم انتخاب رئيس يطعن المقاومة في ظهرها او يتآمر عليها مع الخارج. فمن يريد انتخاب رئيس توافقي لا يتهم المقاومة بالارهاب»!
ويبقى التعويل على المصلحين وسعاة الخير لرأب ما انكسر بين بكركي واركان الطائفة الشيعية الرسميين، وربما يمكن للمقرّبين من الطرفين كتيار «المردة» او بعض الشخصيات المارونية السياسية المستقلة الصديقة للطرفين، ان تبادر عبر لقاءات مع الرئيس نبيه بري و»حزب الله» الى محاولة إصلاح ذات البين، ولا شك انّ الرئيس بري سيكون متجاوباً، وقد تبقى وقد لا تبقى المحاولة الأصعب مع «حزب الله» والمجلس الشيعي والمفتي قبلان، بخاصة انّ هناك شخصيات مارونية موثوقة من الطرفين، كالنائب فريد هيكل الخازن والوزير السابق وديع الخازن وسواهما، يمكن ان يقوما بدور إيجابي.