باشرت الحكومة اللبنانية قبل فترة دراسة الاجراءات التي يمكن اتخاذها للاستعداد لاحتمالات الحرب. ومن البديهي ان الاجراءات المستهدفة لا علاقة لها بالتمويل العسكري، على اعتبار ان الدولة اللبنانية لا دور لها في القسم المتعلق بالمعارك، بل يقتصر دورها على ادارة الأزمة من الناحية الاستشفائية والمالية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد طُلب من الوزارات تحضير دراسات سريعة حول دورها ضمن صلاحياتها في تخفيف معاناة الناس في حالة وقوع الحرب. وبالفعل، قدمت وزارات عدة تصورها للتحضيرات المطلوبة استعداداً للحرب. لكن معظم هذه الدراسات كانت تخلص الى ضرورة تأمين تمويل محدّد لتنفيذ الخطوات المطلوبة. واصطدمت الحكومة بمشكلة مشتركة تتعلق بعجزها عن تأمين الاموال بسبب حالة الافلاس القائمة، سيما لدى القطاع العام.
ولا شك في ان القطاع الصحي يأتي في مقدمة القطاعات التي تحتاج الى دعم سريع لانجاز التحضيرات اللازمة للحرب. ويعاني القطاع، ومن دون حرب، من ازمة صعبة، حسب توصيف منظمة الصحة العالمية، التي عاينت اوضاع القطاع، واعلنت انه يعاني في ادائه منذ الانهيار المالي والاقتصادي في البلد. وبالتالي، لا ينحصر الامر بعدم وجود اموال لتنفيذ خطة طوارئ فحسب، بل ان القطاع مهدّد في صموده من دون حصول حرب.
وقد أدركت الحكومة في هذا الوضع، فداحة الخطيئة التي ارتكبتها من خلال اضاعة كل هذا الوقت منذ اواخر العام 2019 حتى اليوم، حيث انها لم تبدأ حتى اللحظة مسيرة التعافي والخروج من الأزمة. وبالتالي، ولو ان الحكومة انجزت خطة التعافي، وباشرت المفاوضات مع الدائنين الخارجيين، بناء على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكان القطاع المصرفي يعمل حاليا بشكل طبيعي وبانتظام، بما يسهّل تمويل اجراءات الطوارئ المطلوبة، بصرف النظر عن حالة الخزينة ووضع الدولة المالي.
ولا نحتاج الى أمثلة وبراهين لاثبات اهمية “تطبيع” الوضع المالي لتسهيل تمويل خطط الطوارئ. اذ ان القطاع الخاص نفسه، والذي كان في الحالات الطبيعية يلجأ الى زيادة حجم الاستيراد، سيما بالنسبة الى المواد الحيوية، مثل المحروقات والمواد الغذائية والادوية والمعدات واللوازم الطبية والاستشفائية، صار عاجزا اليوم عن اتخاذ مثل هذه الخطوات الاحترازية، على اعتبار انه غير قادر، في ظل استمرار جمود العمل المصرفي، على فتح الاعتمادات الضرورية للاستيراد والتخزين. وعلى سبيل المثال، تعتبر المحروقات من المواد الاستراتيجية الحيوية التي ينبغي تأمينها في حالات الحروب، خصوصا ان استيراد هذه المادة أشد خطورة في الحرب من المواد الاخرى، ومنها المواد الغذائية. وبالتالي، فان رفع مخزون احتياطي المحروقات في اية دولة تواجه خطر الحرب، هو اولوية الاولويات. وفي لبنان، القطاع الخاص يستورد المحروقات وليس الدولة، ولكن هذا القطاع عاجز عن زيادة المخزون بسبب عدم قدرته على فتح الاعتمادات، بسبب الوضع المصرفي المعروف. بمعنى، ان الشركات باتت تعمل يوما بيوم، اي انها تستورد المحروقات وتبيعها في السوق، وتجمع الاموال النقدية (كاش)، ثم تذهب بها الى المصرف لفتح اعتماد جديد لاستيراد المزيد. هذا الوضع لم يكن قائما قبل الانهيار، وعندما كان القطاع المصرفي يعمل بشكل طبيعي، حيث كان يتم فتح الاعتماد، حتى من دون تأمين المبلغ المالي مسبقا، وكانت الشركات قادرة على فتح اكثر من اعتماد بشكل متتالي، وحسب الحاجة. هذه الرفاهية المالية لم تعد متوفرة، وبالتالي، يمكن القول انه لا يوجد احتياطي من المحروقات، سوى لفترة قصيرة قد تطول اقل من شهر، بما يعني ان البلد سيكون مكشوفا على الكارثة في فترة قصيرة على بدء الحرب.
ونموذج المحروقات ينطبق على بقية المواد التي قد يحتاجها البلد لمواجهة تداعيات الحرب. هذا بالاضافة طبعا، الى ان الحكومة، ورغم معرفتها ان لبنان دولة مواجهة، ومنخرطة في الصراع، بصرف النظر عن مسألة من يمتلك قرار السلم والحرب، كان حري بها ان تنشئ منذ سنوات طويلة مخازن مخصصة للتخزين الاحتياطي لكل المواد الحيوية المطلوبة في زمن الحروب، لكنها لم تفعل. بل ان اهراءات القمح التي تدمرت في المرفأ، لم يصر الى ارساء مشروع اهراءات بديل لضمان الامن الغذائي بالحد الأدنى على الاقل. وهذا سؤال مطروح ايضا: ما هي القدرة على تخزين احتياطي القمح، حتى لو توفرت الاموال لاستيراده قبل اندلاع الحرب؟
كل المعطيات تشير الى ان الدولة عاجزة عمليا عن تحقيق اية خطوات ناجعة استعدادا للحرب، وما على اللبنانيين سوى التضرّع لكي لا تندلع الحرب، لأنهم سيكونون في وضع الانكشاف الكلي امام كل التداعيات التي ترافق الحروب.