قال السفير المصري في لبنان علاء موسى في لقاء مع «الأنباء» إن القاهرة تعمل لتجنيب لبنان الشقيق الحرب الموسعة من خلال جهودها لوقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدا أن هذا هو موقف مصر منذ البداية، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي على ضرورة عدم توسع الصراع وإشعال جبهة الجنوب.
وأوضح السفير موسى أنه كان لمصر تواصل دائم مع الجانب اللبناني على مستويات مختلفة من أجل ضبط النفس وعدم الدخول أو الانجرار في دائرة من العنف تؤدي إلى أضرار وخيمة على لبنان.
واستهل السفير المصري علاء موسى من مكتبه في بيروت كلامه إلى «الأنباء» قائلا: «نحن لا نتحدث فقط عن الجولة الأخيرة التي عقدت في القاهرة المتعلقة بتهدئة الأوضاع في غزة وصولا إلى وقف إطلاق نار دائم، وهذه الجولات مستمرة ولن تنتهي. والجولة الأخيرة تأتي في سلسلة من الجولات. فعلى مدى الجولات المتعددة التي حصلت سواء في القاهرة أو الدوحة، مرت مراحل كثيرة، ونتحدث عن أهم مرحلة، وهي تلك التي اقترح فيها الرئيس الأميركي جو بايدن التهدئة في قطاع غزة وصولا إلى وقف إطلاق النار. هناك طروحات عدة وآراء مضادة وتعليقات من كل طرف على مقترح الرئيس بايدن، إلى أن وصلنا إلى ما يطلق عليه مرحلة التحدث حول التفاصيل، لأن الإطار العام يبدو واضحا بشكل أو بآخر، إنما التفاصيل كثيرة جدا، وبالتالي ما يتم تناوله في هذه الجولات هي التفاصيل، وهي في كثير من الأحيان تكون أصعب من وضع الإطار العام لأنه يحتاج التأكد من كل شاردة وواردة. وفي بعض الأحيان تستغلها بعض الأطراف لمزيد من التشدد. والطرف الإسرائيلي يتشدد أكثر فيها، في حين ان موقف حركة «حماس» واضح لجهة التمسك بالمقترح الذي جرى التوافق عليه في 2 يوليو، المبني في الأساس على مقترح الرئيس بايدن الذي قدمه في 31 مايو. ونرجو في المرحلة المقبلة أن يكون دور الوسطاء والولايات المتحدة الضغط على الجانب الإسرائيلي للوصول إلى أمور إيجابية».
وعن تمسك حركة «حماس» بالبنود الأساسية التي بني عليها الاتفاق، وهي الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة ووقف إطلاق النار وصفقة التبادل وإعادة الإعمار، واتهامها إسرائيل بضرب الأسس التي بني عليها الاتفاق، قال موسى: «لست مطلعا على حقيقة المفاوضات، لكن كلا من الأطراف يبحث عن أقصى مكسب وأقل خسائر، وهذه هي طبيعة المفاوضات. وما يفعله الوسطاء هو تقريب وجهات النظر. وهذا ما تقوم به مصر وقطر والولايات المتحدة. أما بالنسبة إلى البنود، فهي تقسم إلى 3 مراحل: الأولى وقف شامل لإطلاق النار يجري معه تبادل للأسرى. وخلال هذه المرحلة يتم إدخال مساعدات إلى قطاع غزة، وهي ما لا يقل عن 600 شاحنة يوميا. ومع نهاية المرحلة الأولى، يتم التفاوض حول المرحلة الثانية التي ستشمل وقف إطلاق نار دائم، واستمرار تبادل بقية الأسرى، ثم الذهاب إلى مرحلة ثالثة تتعلق بالإعمار في غزة. الإطار العام حظي بموافقة الجميع، ولكي يصل إلى التطبيق، لابد من الحديث عن التفاصيل. ولدى مصر قناعة وهي أنه لن تهدأ الأمور في المنطقة ولن نتجنب توسعة رقعة الصراع وفتح جبهات أخرى، إلا من خلال وقف إطلاق نار دائم في غزة. وهذا هو مسعاها. وكلما شارفنا تحقيق انفراج ما، نجد ان الجانب الإسرائيلي يختلق الحجج والذرائع التي تؤدي إلى عرقلة هذه المفاوضات».
وتابع موسى: «الموقف المصري المتعلق بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح هو الانسحاب الكامل لإسرائيل من هذه المناطق. والمقترح الخاص للرئيس بايدن يتحدث عن انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة بالكامل ومن ضمنها محور فيلادلفيا، ويتطابق أيضا مع الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن الأخير ومقترح الرئيس بايدن ورؤية الأطراف الآخرين».
وعن الاتصالات المصرية لتجنيب لبنان حربا إسرائيلية موسعة في ضوء تشديد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تفادي فتح جبهة جديدة في لبنان، قال موسى: «ما أعلنه الرئيس السيسي لتجنيب لبنان توسع الصراع وإشعال جبهة الجنوب هو موقف مصر منذ البداية. وأذكر أنه يوم الثامن من أكتوبر الماضي، كان لمصر تواصل مع الجانب اللبناني على مستويات مختلفة من أجل ضبط النفس وعدم الدخول او الانجرار في دائرة من العنف تؤدي إلى أضرار وخيمة على لبنان، ونعمل مع شركائنا في بيروت منذ اليوم الأول من أجل تجنب هذا الأمر، وكان أحد أهداف زيارة وزير خارجية مصر الأخيرة إلى لبنان، وكذلك زيارة الوزير عبدالله بوحبيب إلى القاهرة. نعمل على تهدئة الأوضاع ومشاركة الحكومة اللبنانية في الجهود التي تقوم بها مصر مع مختلف الأطراف لتجنب امتداد الصراع إلى جبهة الجنوب. ونرجو أن تساعد هذه الجهود في تجنب لبنان الدخول في صراع مفتوح».
تخفيف التوتر
وعن نجاح الجهود المصرية في تخفيف التوتر الحالي وإمكانية إحداث تلازم بين وقف محتمل للنار في غزة وجبهة الإسناد من جنوب لبنان، رد موسى بالقول: «هناك تفهم من جانب لبنان على مستويات مختلفة بأنه لابد من تفويت الفرصة على من يسعى إلى توسعة جبهات القتال. وهذا يتم من خلال إجراءات وتعاون معين وتعاط مختلف مع الواقع على الأرض. ونقول إن الوضع اليوم يبدو أفضل، وقد قطعنا جولة من المواجهة يوم الأحد الماضي بين إسرائيل وحزب الله. واعتقد أن الطرفين الآن يتجهان نحو التهدئة، وهذا أمر مهم. لكن لا نضمن استمرار هذه الأجواء إذا ما استمرت الحرب في غزة. لذا نسعى بسرعة وجدية إلى وقف هذه الحرب وإرساء قواعد وقف إطلاق النار لأنه السبيل الوحيد إلى ما نسعى إليه في لبنان، وما يمكن أن يطبق لفترات قادمة».
الملف الرئاسي
وعن مساعي اللجنة الخماسية التي بذلتها طوال الفترة الماضية للدفع باتجاه انتخاب رئيس للبنان، قال موسى: «علينا الاعتراف بأن هذا الملف نتعامل معه منذ عامين تقريبا وقبل اندلاع الحرب في غزة. وكانت هناك أوضاع داخلية بين الأفرقاء اللبنانيين لا تساعد على إنجاز هذا الملف بشكل سريع. وأضيفت حرب غزة وشكلت عاملا ضاغطا. في بداية الأمر كنا كلجنة خماسية نتحدث مع الأطراف على أهمية فصل المسارات، أي فصل مسار غزة عن مسار الاستحقاق الرئاسي. ونقول انه كان ولا يزال من الضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للبنان، لان لبنان قادم على تحديات كثيرة. وهناك اختبارات مهمة لن يستطيع مواجهتها والتعامل معها بالشكل الملائم إلا من خلال مؤسسات الدولة، وفي طليعتها وجود رمزها رئيس الجمهورية، ثم حكومة كاملة الصلاحيات، إلى بقية مؤسسات الدولة التي تعمل بالكفاءة وليس بالوكالة. كانت لدى اللجنة الخماسية قناعة منذ شهر مايو الماضي بأنه يمكن إحداث خرق من خلال ممارسة قدر من التشجيع والحث لدى مختلف الأطراف، وكذلك إيجاد أرضية مشتركة للوصول إلى حل في الملف الرئاسي». وتابع: «استفدنا من مبادرات طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري وتكتل الاعتدال والمعارضة والوزير جبران باسيل. وأقول ان هناك معضلة رئيسية تكمن في أن مساحة الثقة بين الأطراف اللبنانية ضعيفة للغاية، وهذا نتيجة أرث وتجارب سابقة، وتحاول «الخماسية» بقدر الإمكان خلق مناخ وأرضية حتى ولو كانت بسيطة، يمكن أن تجمع هذه الأطراف بقدر من الثقة لنتمكن من المضي إلى الأمام. وأؤكد أن أحد أسباب خفوت صوت الخماسية يتعلق بأمرين: الأول هو تصاعد حدة التوتر في الجنوب وهذا فرض علينا التعامل مع ما هو عاجل وهو التهدئة في الجنوب ثم المهم وهو الملف الرئاسي. والأمر الثاني أن الأطراف نفسها لم تكن في رفاهية لتبحث في الملف الرئاسي، لأن الأنظار كانت موجهة لكيفية تجنيب لبنان مغبة توسع رقعة الصراع. المسألة مرتبطة بوقف إطلاق النار في غزة وتهدئة الجنوب، وهذا سيؤثر بشكل إيجابي وفوري على الملف الرئاسي».
وعما إذا كان هناك من تصور معين لكسر الجمود في الملف الرئاسي وتقريب المسافات بين دعوة الرئيس بري للحوار والتشاور ورفض الفريق الآخر تكريس «عرف الوصاية» على الاستحقاق الرئاسي، أجاب موسى: «هدفنا واحد انتخاب رئيس ووضع معايير. ونلمس حرصا من مختلف الاطراف على انتخاب الرئيس وبسرعة. وتبقى فقط الآلية وشكلها. البعض يتحدث عن الحوار وعن مبادرة الرئيس بري ويعتبر ذلك تكريسا لشيء جديد. والبعض الآخر يرى أن الحوار هو السبيل الوحيد. وآخرون يقولون: ليكن مجلس النواب هو الحكم فيما يخص الرئيس. وتحاول الخماسية تقريب وجهات النظر. لكن في كل الأحوال الارادة السياسية يجب ان تكون متوافرة لدى الاطراف. وتقديرنا الشخصي أن هذه الارادة اذا ما توافرت يمكن تجاوز التفاصيل ويمكن القبول ببعض منها (…)».
لا تدخل بالأسماء
وردا على سؤال حول ما اذا كانت اللجنة الخماسية اقتنعت بوجوب اللجوء إلى «الخيار الثالث»، وما اذا كان قائد الجيش العماد جوزف عون من بين مرشحي «الخيار الثالث»، أجاب موسى: «منذ اليوم الأول قالت اللجنة: لن نتدخل في اسماء المرشحين وتحدثنا عن مواصفات. والمواصفات التي وضعها أفرقاء لبنانيون بأيديهم وفي رسائلهم وتواصلهم مع المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، نقول انها يمكن اذا ما طبقت ان نجد أكثر من شخص يصلح لرئاسة الجمهورية ولبنان زاخر بالكفاءات والقامات التي يمكن ان تتولى هذا المنصب (…) وبكل صراحة لم تتحدث لا مصر ولا اللجنة الخماسية عن أسماء، والأسماء يأتي بها الأفرقاء في لبنان».