على الرغم ممّا بثّه إخفاق بعض محاولات الاغتيال التي قامت بها إسرائيل في سوريا ولبنان من انطباعات إيجابية لدى أوساط الفصائل الموالية لإيران في سوريا، التي اعتبرت الأمر مؤشراً على استعادة المظلة الأمنية فاعليتها، فإن ذلك لم يمنع قادة هذه الفصائل من التعامل مع المخاطر الأمنية بجدية كبيرة، وسط إحساس عام بأن الأراضي السورية لم تعد ملاذاً آمناً في هذه المرحلة، لا سيما مع تصاعد الاشتباكات مع قواعد التحالف الدولي خلال الشهر الجاري.
يطلبون الأمان
دفع ذلك قسماً كبيراً من قادة هذه الميليشيات إلى البحث عن مكان أكثر أمناً واستقراراً، وهو ما وجدوه حالياً في المدن العراقية المحاذية للحدود السورية، وعلى رأسها مدينة القائم.
وأكدت مصادر ميدانية متابعة لنشاط الفصائل الموالية لإيران لـ “النهار” أن خطة المغادرة نحو العراق تشمل في الأقل قادة الصف الأول للفصائل الإيرانية العاملة في الشرق السوري، المتعارف عليه إعلامياً باسم “شرق الفرات”. وفيما غادر قسم من هؤلاء، فإن القسم الآخر يتحضر للمغادرة في أسرع وقت.
يأتي ذلك فيما اعتبرت مصادر مقربة من هذه الفصائل أن إخفاق محاولة الاغتيال في حي المزة، والتي راح ضحيتها أستاذ جامعي يمني الجنسية مع بناته ومدنيون آخرون، وإخفاق محاولة اغتيال وفيق صفا، القيادي في “حزب الله”، بمدينة بيروت، يؤشران على استعادة قيادة “محور المقاومة” زمام المبادرة وقدرتها على اكتشاف الثغرات الأمنية وإغلاقها أو تضييقها، بحيث لم يعد العدو يجول ويصول كيف يشاء.
سجاد بدلاً من عسكر
من بين القادة الذين غادروا الشرق السوري، برز اسم الحاج عسكر، قائد الحرس الثوري الإيراني في مدينة البوكمال، حيث اتجه نحو مدينة القائم العراقية واتخذ فيها مقراً لنشاطه وسط معلومات بأنه شدد الإجراءات الأمنية حول نفسه، ممتنعاً عن ركوب أي سيارة عسكرية ومفضلاً التنقل بسيارات مدنية. كما أصبح حريصاً على عدم الإفصاح عن أي جولات يقوم بها للمحيطين به، وعلى عدم استخدام هاتف محمول أو أي جهاز اتصال لاسلكي، علماً أن الحاج عسكر عاد من طهران إلى ديرالزور بعد اغتيال أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، في خطوة يعتقد أنها جاءت لتنفيذ خطة الإخلاء، تحسباً لأي مخاطر مستقبلية.
وتولّى الحاج سجاد قيادة الفصائل الموالية لإيران في البوكمال باعتباره نائب الحاج عسكر. وأكدت المعلومات أن الحاج سجاد بدأ بتنفيذ خطة لإعادة نشر الميليشيات في البوكمال، بما يجعلها تتفادى تكبد الخسائر الكبيرة عند وقوع أي هجوم عليها، كما يشرف على تهريب السلاح من العراق إلى سوريا عبر ممرات سرية، بعضها لم يستخدم من قبل. ويتطلب ذلك منه أن يتنقل بين سوريا والعراق عبر المعابر غير القانونية بسيارات مدنية أو زراعية لمنع انكشاف تحركاته.
إخلاء المربعات
كذلك، خلت المربعات الأمنية في مدينة البوكمال خصوصاً، وديرالزور عموماً، والتي كانت مركز ثقل قيادة الحرس الثوري الإيراني، من جميع قادة الصف الأول. أبرز هذه المربعات الأمنية في حيي الهجانة والجمعيات في البوكمال، وحي فيلات البلدية والضاحية في ديرالزور، والمربع الأمني في حي التمو والحجاج بمدينة الميادين، وسط معلومات تفيد بأن قيادة الحرس الثوري الإيراني قررت في هذه المرحلة الاعتماد على قادة الصف الثاني من حملة الجنسية السورية لقيادة الميليشيات في المنطقة، لتجنيب القادة الإيرانيين مخاطر الاستهداف المحتمل.
جاء إخلاء المنطقة الشرقية من قادة الصف الأول تزامناً مع تصاعد المواجهات العسكرية بين قوات “التحالف الدولي” من جهة، والمجموعات المدعومة من إيران من جهة أخرى، على خلفية التصعيد العسكري في لبنان وغزة. فقد شهد تشرين الأول (أكتوبر) سلسلة من الهجمات الصاروخية، أسفرت عن مقتل عنصر من “الدفاع الذاتي” وإصابة 12 آخرين بجروح، بينما تصدت المضادات الأرضية لبعض الصواريخ وفشلت في رصد البعض منها فوصلت إلى أهدافها، وفق ما ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
هجمات على التحالف
واستعرض المرصد تفاصيل الضربات التي تعرضت لها قواعد “التحالف الدولي” منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر، فكانت الأولى عندما حاولت الدفاعات الجوية في قاعدة التنف التصدي لصواريخ إيرانية تزامناً مع مرورها في أجواء مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية.
كما أطلقت القاعدة الأميركية في معمل كونيكو بريف دير الزور الصواريخ للتصدي لصواريخ إيرانية تزامناً مع مرورها في أجواء المنطقة، وتمكنت من إسقاط عدد منها.
في الحادثة الثانية، هاجمت الفصائل الموالية لإيران بالقذائف الصاروخية القاعدة الأميركية في الشدادي بريف الحسكة، وسقطت إحدى القذائف على منزل قرب القاعدة، أسفرت عن مقتل عنصر من قوات “الدفاع الذاتي” التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة. وردّاً على ذلك، شنّ الطيران الحربي الأميركي غارات جوية في محيط القاعدة.
وفي الحادثة الثالثة، تعرضت القاعدة الأميركية في حقل “كونيكو” للغاز في منطقة العزبة بريف دير الزور الشمالي لهجوم بعدد من الصواريخ أطلقتها الميليشيات الموالية لإيران، إضافة إلى هجوم بمسيّرة، حيث سمع دوي انفجار عنيف داخل القاعدة، تزامناً مع تصدي المضادات الأرضية في القاعدة لعدد من الصواريخ وإسقاطها، تلاها ردّ من داخل القاعدة بالصواريخ على مصادر النيران.
وقد أسقطت الدفاعات الجوية في القاعدة بمعمل “كونيكو” صاروخاً في أجواء القاعدة، وسط استنفار للقوات الأميركية. وردت قوات “التحالف” بقصف مدفعي وصاروخي على مواقع الميليشيات الموالية لإيران، حيث قصفت في 9 أكتوبر الجاري بالصواريخ مواقع في حطلة وحويجة صكر بريف دير الزور.