على الرغم من أن السياسة الخارجية لا تحظى في العادة بدرجة عالية من سلّم الأولويات لدى الناخب الأميركي، فإن حربي الشرق الأوسط وأوكرانيا، فرضتا نفسيهما على حملتي المرشحة الديموقراطية للرئاسة كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وتشخص الأنظار إلى انتخابات الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لمعرفة مآل الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ أكثر من عام، والتي توسعت أخيراً بشكل عنيف إلى لبنان، فضلاً عن الحرب الروسية-الأوكرانية التي مضى عليها أكثر من 32 شهراً. ولدى هاريس وترامب رؤيتان مختلفتان حيال الحربين، ولدى كل منهما تصور مختلف عن الطريقة التي يتعين اعتمادها للتعامل مع النزاعين.
وفي حال فازت هاريس، فإن المراقبين لا يتوقعون تغييراً جذرياً في السياسة التي انتهجها الرئيس جو بايدن حيال حربي غزة وأوكرانيا. لكن المتعمق في سلوك هاريس يلحظ أن نائبة الرئيس الأميركي كانت مثلاً سبّاقة في الدعوة إلى وقف النار في غزة، وتؤكّد أن الحل الأمثل يكمن في منح الفلسطينيين حق تقرير المصير، وأن يحيوا بكرامة، مع تكرارها “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، لتزيد عليها أن الطريقة التي تستخدم فيها هذا “الحق” هي التي يتعين النظر فيها.
أما في ما يتعلق بأوكرانيا، فالأرجح أن تواصل هاريس تقديم الدعم لأوكرانيا بالحدود التي يسمح بها الكونغرس، في وقت يعارض الجمهوريون منح كييف “شيكاً على بياض” على صعيد المساعدات، من دون أن تكون هناك استراتيجية تأخذ في الاعتبار تسوية ديبلوماسية.
ومع ترامب، يختلف الوضع في الشرق الأوسط؛ فالرئيس الأميركي السابق إذا ما عاد إلى البيت الأبيض، فمن المتوقع أن يؤيّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في دعوته إلى تغيير الشرق الأوسط.
ويتهم ترامب إدارة بايدن بأنها تتلكأ في تقديم الدعم الضروري لإسرائيل كي تحسم الحرب بسرعة. وهو يرى أن الحرب طالت أكثر من اللازم، ما جعل الدولة العبرية تخسر معركة العلاقات العامة. ولا يؤمن ترامب بحل الدولتين، ويؤيد ضمّ إسرائيل لأجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وفي أوكرانيا، لا يخفي ترامب تبرّمه من المساعدات الأميركية السخية لكييف. وهو يصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بأنه “أفضل بائع في العالم”، لأنه كلما زار الولايات المتحدة يعود منها محمّلاً بـ60 مليار دولار، في إشارة إلى حزمة المساعدات الأميركية التي أقرّها الكونغرس في نيسان (أبريل) الماضي بعد جدل ونقاش واسعين.
ويكرّر ترامب أنه قادر على وقف الحرب الروسية-الأوكرانية “في غضون 24 ساعة”، من دون أن يفصح عن خطة مفصلة، في وقت يخشى زيلينسكي أن يأتي الحل الذي يفكر فيه ترامب، على حساب أوكرانيا.
ولا ريب أن الثقة التي يبديها ترامب بقدرته على إيجاد تسوية سريعة للنزاع الأوكراني، تعتمد إلى حدّ كبير على العلاقة الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على عكس بايدن وهاريس اللذين لا يفوتان فرصة دون التهجم على الرئيس الروسي واتهامه بالسعي إلى إحياء الاتحاد السوفياتي السابق.
وتدليلاً على أهمية السياسة الخارجية هذه المرّة في الانتخابات، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” في سبع ولايات متأرجحة، أن ترامب يتفوق على هاريس في ما يتعلق بتعامل الولايات المتحدة بشكل أفضل مع ملفي الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وتبذل هاريس جهوداً حثيثة من أجل كسب تأييد الأميركيين العرب والمسلمين في الولايات المتأرجحة والذين انفضوا عن الحزب الديموقراطي، بسبب التأييد المطلق الذي محضه بايدن لإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة.
ومن الجدير ذكره، أنه في انتخابات 2020، كان لتصويت هؤلاء لمصلحة بايدن، الأثر المهم في إيصاله إلى البيت الأبيض.